IMLebanon

الديمقراطية اللبنانية توافقية أم برلمانية – تمثيليّة؟

 

ورد في كتاب «الديمقراطية التوافقية في مجتمع متعدّد» للباحث آرنت ليبهارت الصادر في العام 2006 عن معهد الدراسات الاستراتيجية، ما مفاده أنّ الديمقراطية التوافقية هي مفهوم جديد تطوّر في أوروبا في البلدان التي تفتقر إلى التجانس القومي، أي أنّها ليست أمّة صوّانيّة، وذلك على قاعدة أنّ الأمم تتعيّن حدودها بمعيار الثقافة المتجانسة وبالتحديد في موضوعات اللغة والعرق والدين والتاريخ…، وهي ممكنة عندما تكون عدّة ظروف مؤاتية ليكون الشعب شعباً واحداً.

 

لكن ما قاله ليونارد بايندر في كتابه «التغيير السياسي في لبنان» صفحة 295 أنّ الاستقلال الفئوي هو سمة توافقية قويّة من سمات الديمقراطية اللبنانية. وكان من صميم الدّستور ولكن غير مدوّن أنّ «النظام لن يتدخّل في مجال العلاقات الاجتماعيّة للطائفة»، وهذا ما يجعل من مسألة الحكم في لبنان مسألة مبنية على جمع المتناقضات.

 

من هنا نفهم ما ورد في البند – ج – من مقدمة الدستور اللبناني أنّ «لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل». وهذا ما يؤكّد أنّ التوافق الذي تمّ اعتماده في لبنان تحوّل بفعل سيطرة فريق بقوّة السلاح غير الشرعي، أي «حزب الله» وحلفائه، إلى تعطيل لتصبح الديمقراطية التوافقيّة التي نجحت في بعض بلدان أوروبا ديمقراطية تعطيليّة في لبنان.

 

ونجاح الديمقراطية التوافقية في أوروبا عائد إلى اعتمادها على جمع التعدّديّة الحزبيّة، بينما من أهمّ أسباب فشلها في لبنان اعتمادها على التعدّديّة الطوائفيّة التي لا تأخذ في الاعتبار مرجعيّة الدولة الواحدة السيّدة الحرّة والمستقلّة. وما أدّى إلى هذا الفشل هو تنازل الفريق الطائفي الأقوى عن السيادة اللبنانيّة خدمة للمشروع الأيديولوجي الذي يرتبط به ارتباطاً عقائديّاً. وأعني هنا «حزب الله» وارتباطه بمشروع ولاية الفقيه في الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران. كذلك في «المأسسة غير المرنة للمبادئ التوافقية» بحسب ما قال آرنت ليبهارت في كتابه في الصفحة 228. أي يوم شكّلت خللاً في مؤسسات الدولة لا سيّما في مرحلة اضطهاد المكوّن المسيحي طوال فترة الاحتلال السوري التي لم تصحّح على القاعدة المؤسّساتيّة بل على القاعدة الشعبويّة الفريقيّة لحساب فريق «التيار الوطني الحرّ» فقط.

 

مقابل ذلك، لا يمكن الذهاب إلى ما قاله الباحث إدوارد شيلز في كتابه «آفاق الكياسة اللبنانيّة» عن أنّ «لبنان يجب أن يظلّ فيه كلّ شيء جامداً سياسيّاً للحؤول دون تحوّل التقوقع الطائفي على الذات والارتياب المتبادل من التحوّل إلى خصومة متوتّرة ناشطة». فهذا المبدأ بحدّ ذاته سعى المحتلّ السوري و»حزب الله» الذي خلفه إلى تسعيره بين مختلف الفئات اللبنانيّة من خلال الجماعات المسلّحة التي زرعها في مختلف المناطق اللبنانيّة تحت مسميات سرايا المقاومة.

 

لكن تميّز الباحث جرهارد ليمبروخ بجمعه بين الديمقراطية الوفاقية على أنّها استراتيجية في إدارة النزاعات من خلال التعاون والوفاق بين مختلف النخب بدلاً من التنافس واتّخاذ القرارات بالأكثريّة ومفهوم التعدديّة القطاعيّة الذي قدّمه الباحث فال لوروِين على كونه «العلاقة بالانقسامات القطاعيّة المميّزة للمجتمعات التعدّديّة والتعاون السياسي القائم بين النخب القطاعيّة». ليصبح بذلك مفهوم الديمقراطيّة التوافقيّة الدمج بين الديمقراطية الوفاقية والتعدّديّة القطاعيّة. وهذا ما لم يسمح به محور الممانعة ليضمن سيطرته التامّة.

 

فمن جهة أخرى يذهب واكر كونور إلى أن معظم المنظرين البارزين لبناء الأمة قد «مالوا إلى التقليل من شأن المشاكل المتعلقة بالتنوع العرقي». ومن جهة ثانية، يذكر لوسيان باي بمتلازمته المشهورة للعملية السياسية للمجتمعات غير الغربية بأنّ «المجال السياسي ليس منفصلاً بوضوح عن المجال الاجتماعي والإطار للعلاقات الشخصية في المجتمعات غير الغربية هو الإطار الطائفي وهو ما يطلق عليها كليفورد غيرتز تسمية: «الولاءات الأولية». لهذا نلاحظ اليوم أصواتاً تتعالى بالتمسك بمركزية الدولة وترفض كلّ الطروحات اللامركزيّة الموسّعة أو الفدراليّة التي وحدها تجعل من النظام نظاماً اتّحاديّاً.

 

أمام هذا الواقع العقيم الذي أتى بعد أزمات سياسيّة متتابعة باتت الأكثريّة التي كانت متسلّطة أمام واقع جديد وهو القدرة السياسيّة التي تملكها القوى التي شكّلت أقليّة معارضة سابقاً. وبعد تحقيق هذه الديناميكية الجديدة في انتخابات 2022 لن تقبل الأكثريّة اليوم بالتنازل عن جزء من صلاحياتها. لذلك، يبدو أن تفعيل النظام اللامركزي مع الديمقراطيّة التمثيليّة – البرلمانيّة، وحده سيكون مفتاحاً للحلّ للمرحلة القادمة تطبيقاً لمبدأ الديمقراطية كما حدّدها مونتسكيو وجون لوك التي تقوم على «الحكم بالرضى عبر الانتخابات وحكم الأكثرية أو الأغلبية».