IMLebanon

الدعم المستحيل

 

 

عاد الدولار إلى الإرتفاع مدفوعاً بتداعيات الحرب الأوكرانية ـ الروسية وبموجة التضخّم التي تجتاح العالم. العقوبات الإقتصادية المفروضة على روسيا، وكان آخرها والأكثر فتكاً تلك التي قرّرت الولايات المتحدة البارحة فرضها على قطاع الطاقة، ألهبت أسعار المواد الأولية، فتجاوز سعر برميل النفط الـ130 دولاراً بنسبة تزيد عن 30% خلال شهر، هذا فيما يتوقع بعض المراقبين أن يستمرّ سعر النفط في الصعود وقد يتخطى عتبة الـ200 دولار.

 

لهذا السيناريو الذي لم يعد مستبعداً آثار كارثية على اقتصاديات العالم بأسره وعلى اقتصادنا بشكل خاص، أقلّه لسببين: أولاً، لأننا وقبل اندلاع الحرب، موجودون في قعر أزمة نتخبّط فيها ولم نجد للخروج منها سبيلاً، وثانياً لأننا اقتصاد قائم بشكل أساسي على الإستيراد، يعاني عجزاً هيكلياً في ميزان مدفوعاته، وبالتالي هو منكشف تماماً على الصدمات الخارجية.

 

لهذين السببين تحديداً بدأ الدولار التفلت من حدود سعر الـ20,000 ل.ل الذي حاول مصرف لبنان تثبيته على المنصة وقد لامس البارحة عتبة الـ23000 ل ل. فالطلب على الدولار يزداد من أجل تمويل فاتورة استيراد مواد أساسية ليس أقلها المحروقات والقمح والحبوب والمعادن… كل هذه المواد المستوردة وغيرها ارتفعت أسعارها لدى دول المنشأ كما ارتفعت كلفة تمويلها، وشحنها وتأمينها. أما السؤال الذي يطرح نفسه فهو: كيف يحتاط لبنان، بسلطتيه السياسية والنقدية، لهذه الأزمة العالمية؟

 

الحكومة في خبر كان وهي لم تتفق بعد على خطة لمفاوضة صندوق النقد وهي أولى المهمات التي أوكلت نفسها بها. أما سياسات مصرف لبنان، لا سيما الأخيرة منها، والقاضية بضخ الدولار الأميركي في الأسواق لكبح جموحه، فيُطرح بعض الأسئلة المشروعة لجهة جدواها. فاحتياطي المركزي في نزيف مستمرّ. فهل صرف ما تبقّى من أموال المودعين، كان في المكان والزمان المناسبين؟ وهل يستند إلى خطة تهدف إلى المعالجة أو على الأقل المساهمة في ضبط عجز ميزان المدفوعات؟ الحسابات الأولية تقول إن كلفة تثبيت سعر الصرف على الـ20 ألفاً يقارب النصف مليار شهرياً. مضى على هذه السياسة شهران وها نحن دخلنا الشهر الثالث. بمعنى آخر وبالأرقام تمّ صرف مليار دولار في حين أنّ مجمل موجودات مصرف لبنان من العملات الأجنبية لا يتجاوز 12 ملياراً وفق آخر تقرير صدر هذا الأسبوع عن مصرف لبنان.

 

فإلى متى يستطيع مصرف لبنان الإستمرار بسياسة الضخ هذه، خاصة أن البلاد أمام إعصار عاصف من الخارج يدفع بكافة الأسعار إلى مستويات أقلقت حتى أكبر الدول الصناعية. الجواب لا يتطلّب عالماً في الإقتصاد وبدأ يظهر على سعر المنصة وهو مرشح إلى مزيد من التدهور. صحيح أن الحرب الأوكرانية ليست من صنع السلطات اللبنانية ولا تُلام عليها، ولكن ما تُلام عليه هو الإبقاء على سياسات الدعم الفاشلة فانتقلوا من دعم المحروقات إلى دعم الليرة…وكأنهم على الدعم مدمنون.