IMLebanon

واشنطن تُدير محرّكاتها: إلى التدويل درّ!

 

يُسيطر الضياع على الفرقاء الداخليين وسط الضبابية التي تسود المواقف الخارجية وعدم معرفة ما إذا كان التصعيد الحاصل داخلياً سببه تدهور الوضع أو تسخين الملفات من أجل الدفع إلى تسوية رئاسية وسياسية. يتفق معظم ساسة لبنان على نظرية المؤامرة، وهذه النظرية تتحكّم بمفاصل السياسة وإدارة الدولة، ويعتبر كل فريق أن خصمه يتحرّك بإشارة خارجية.

 

يتأثّر لبنان بالرياح التي تهب من دول الإقليم ومن العالم، فوجود مناخ عدم ارتياح يُعبّر عن تعقيدات خارجية لم تنتج تسوية بعد، وفي المقابل يبقى الأمل بإبرام اتفاق إقليمي- دولي لا يزال بعيد المنال بعد التوتر الحاصل في فلسطين والضربات التي تعرّضت لها إيران في الداخل واستبعاد وصول طهران وواشنطن إلى اتفاق نووي قريب مع تبادل الإتهامات من الفريقين بشأن عرقلة الإتفاق.

 

وتبرز معطيات جديدة على الساحة السياسية اللبنانية، ويلمس النواب والشخصيات الذين يلتقون السفيرة الأميركية دوروثي شيا وجود أمر ما يُحضّر هو أشبه بإعادة دفع أميركية للملف اللبناني. وتُشكّل رئاسة الجمهورية أحد أبرز التعقيدات اللبنانية، ففي ظل عدم مبالاة سعودية بلبنان وعدم قدرة أوروبية على التدخل، دخلت واشنطن مباشرة على جميع الخطوط.

 

وتؤكّد المعلومات إبلاغ الطرف الأميركي وجود تغيير جذري في تعاطي الأميركيين مع الملف اللبناني وهذا التغيير نابع من عوامل ومعطيات عدّة أبرزها:

 

أولاً: فشل الأوروبيين بقيادة فرنسا في التعامل مع الملف اللبناني، فواشنطن تركت لباريس هامشاً للتحرك والمبادرة وقد أرسل الأوروبيون وفداً قضائياً إلى بيروت للتحقيق في تجاوزات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لكن بعد أشهر من التدخل الأوروبي لم يصل الفرنسيون إلى نتيجة، لا في الملف الرئاسي ولا في الملف المالي.

 

ثانياً: ظهور خوف أميركي جدّي على لبنان، فكلّما انهار الوضع أكثر كلّما تضرّرت المصالح الأميركية أكثر، من هنا أتى التحرّك الأميركي العاجل للحفاظ على «الستاتيكو» القائم وعدم الغرق أكثر في مستنقع الإنهيار.

 

ثالثاً: ثمة قراءة أميركية تفيد بأن الملف الرئاسي اللبناني أخذ الحيّز الأكبر من النقاش ولم يستطع أحد من فرقاء الداخل الوصول إلى حلّ، لذلك لم يبقَ خيار سوى التدخل.

 

وأمام هذه الوقائع، فقد أبلغ الأميركيون من يعنيهم الأمر بأن سياسة الغد مغايرة تماماً لسياسة الأمس، وواشنطن لن ترحم لا الحلفاء ولا الخصوم، وتؤكّد المعطيات أنّ الغطاء الأميركي على رياض سلامة قد نُزع بسبب اقتراب ولايته من الإنتهاء ومن ثمّ تغطيته لبعض نشاطات «حزب الله» المالية، وما فرض العقوبات على شخصيات تابعة لـ»الحزب» وضمنها حسن مقلّد إلا رسالة قاسية لسلامة مفادها «أننا نراقب نشاطاتك ولن نرحم تساهلك مع أنشطة «الحزب».

 

وأصابت العقوبات المالية الأخيرة لواشنطن سلامة قبل أن تُصيب «الحزب»، وبالتالي وصلت الرسالة الأميركية الحازمة والتي تقضي بعدم التساهل في الملفات المالية المرتبطة بـ»حزب الله»، إضافةً إلى تحريك ملفات قضائية في كل الإتجاهات.

 

ولن يقتصر الأمر على الملفات المالية والقضائية، بل سيطال الملف الرئاسي، وسمع سياسيون لبنانيون كلاماً أميركياً واضحاً باللجوء إلى تدويل ملف الرئاسة وبقية الملفات إذا احتاج الأمر ذلك، وما هو واضح عدم رغبة اللاعب الأميركي بترك الساحة اللبنانية للفوضى وتهديد مصالحه. وتُشكّل المصالح الأميركية الدافع الأول لتحريك السياسات الأميركية في لبنان والمنطقة، لذلك لن يوفرّ الأميركيون فرصة من أجل حماية تلك المصالح. وعلى رغم وجود عدم رضى على الأداء الفرنسي والإنكفاء السعودي، يستمر التنسيق مع هذه الدول والإتصالات على أرفع المستويات وستُترجم اليوم بلقاء باريس الذي سيبحث الملف اللبناني ويدرس كل الخيارات الممكنة والتي من شأنها أن تُحدث خرقاً ما في جدار الأزمة اللبنانية.

 

لن يُشكّل لقاء باريس الخماسي نهاية المطاف بالنسبة للسياسة الأميركية تجاه لبنان، بل يُصنّف كلقاء تشاوري، في حين ستواكب واشنطن هذا الاجتماع باستخدام أدوات ضغط ليس فقط على الداخل بل ستصل إلى طهران التي تتهمها واشنطن بالعرقلة عبر «حزب الله».

 

وإذا كانت باريس تحاول فتح قنوات حوار مع «الحزب»، يبقى التشدد الطاغي الوحيد على سياسة واشنطن تجاهه، لذلك من المتوقّع إصدار رزمة عقوبات جديدة على أشخاص تربطهم صلة بـ»حزب الله» وبالمنظومة السياسية والمالية التي ترعى الفساد والإنهيار.

 

وربما تأتي بعض المواقف التي يتخذها رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل بمواجهة طلبات «حزب الله» الرئاسية في سياق محاولة تقديم أوراق إعتماد لواشنطن من أجل رفع العقوبات. وحتى هذه الساعة، لم تصل رسائل إيجابية من واشنطن تجاه باسيل، حيث تعتبر الدوائر الأميركية أن الأخير متورّط في ملفات فساد ولذلك من الصعب رفع العقوبات عنه مهما قدّم أوراق إعتماد.