IMLebanon

«حزب الله»- «القوات»: التعايش الصعب!

 

وهكذا، حصل ما توقّعه العارفون: تبدَّلت مواقع القوة، مسيحياً وسنّياً ودرزياً. لكن «حزب الله» صان بيئته الشيعية. والمعادلة السياسية التي أفرزتها الانتخابات هي التي ستعيد تأسيس البلد.

لن يشفى «التيار الوطني الحرّ» من الضربة التي تلقّاها في الانتخابات. وفي الاستحقاقات الآتية، من تشكيل الحكومة إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية إلى المؤتمر التأسيسي، هو خسر فرصته للمناداة بـ«المسيحي الأقوى» وقيادة الطائفة.

 

سيفقد «التيار» هامش المناورة الذي تمتّع به طويلاً. وسيكون أكثر اضطراراً إلى الاستعانة بدعم «حزب الله» في كل المحطات. وفي المقابل، ستنطلق «القوات اللبنانية» من رصيدها الجديد، ومن انتصاراتٍ لها رمزيتها، من دوائر الجبل والشمال والبقاع إلى جزين.

 

خلال السنوات الأربع المقبلة، سيكون لـ«القوات»- ومعها بعض قوى المعارضة- دورٌ أكثر فاعلية. وأظهرت نتائج الانتخابات أن قوى المعارضة والاعتراض (الأحزاب، المجتمع المدني، 17 تشرين…) كانت ستفوز بالمعركة بالتأكيد، أي بغالبية المجلس النيابي، لو «تواضَعت» و«عقلت» وخاضت الانتخابات بلائحة واحدة في الدوائر الـ15.

 

ولكن، ما حصل قد حصل. وبسبب ما يمتلكه من حصة داخل المؤسسات ومن قوة عسكرية خارجها، فإنّ «حزب الله» سيبقى صاحب القرار الأبرز في المرحلة المقبلة، والتي سيجري فيها حسم مسألتين تأسيسيتين: الاتفاق الوطني الجديد (طائفياً، سياسياً، اقتصادياً…)، وتحديد موقع جديد للبنان داخل المنظومة الإقليمية (توقيع الاتفاق في الناقورة، الموقف من التطبيع، العلاقة مع طهران ودمشق والخليجيين العرب…)

 

وليس متوقعاً تغيير «الستاتيكو» الحالي إلا إذا طرأ تَحوّل في الأزمات الإقليمية والدولية. ومن سوء أقدار لبنان اندلاع الحرب في أوكرانيا وبروز تعقيدات جديدة ناتجة منها في أوروبا، وتجميد التسوية حول الملف النووي الإيراني في فيينا، وتالياً جمود حركة التطبيع بين إيران والخليج العربي.

 

ففي هذا الخضم، سيبقى «حزب الله» مُمسكاً بجزء أساسي من الورقة اللبنانية. وسيكون على القوى الإقليمية والدولية أن تفاوضه لأنه الأقوى على أرض الواقع. وفي عبارة أكثر وضوحاً، لا مجال لإسقاط هذه السلطة أو تغييرها في السنوات الأربع المقبلة. فـ«الثورات» فشلت، والانتخابات انتهت بانتصار نسبي، وأي مواجهة يتَّجه إليها الوضع اللبناني ستصبح عنفية وتكون مُكلفة للجميع ولن يجرؤ أحد على خوضها.

 

ولكن، أيّ «حزب» هو الذي سيكون في السنوات المقبلة؟ هل سيدخل الصفقات الكبرى الآتية، ولا سيما منها التسوية الداخلية بأبعادها السياسية والمالية ويوافق على الاتفاقات المحتملة إقليمياً؟

 

ثمة من يسأل عن خلفيات الكلام المثير الذي قاله، قبل ساعات من الانتخابات، مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، والذي تناول فيه القوى الشيعية المناوئة لـ«الحزب» والتي يدعمها الأميركيون.

 

فقد كشف شينكر أنّ الولايات المتحدة قامت بـ«زرع» نُخَب شيعية هدفها مواجهة «الحزب»، من رجال أعمال وناشطين سياسيين وإعلاميين. وتحدث عن دور محوري قام به لقمان سليم في هذا المجال. وبهذا الكلام، يدعم شينكر مقولة «الحزب» إن هؤلاء هم «شيعة السفارة»، ما يبرِّر مواجهتم.

 

وفي السياق إيّاه، سدَّد شينكر صفعة عنيفة إلى المعارضة وقوى 17 تشرين إذ قال: «لستُ متفائلاً بالانتخابات، وعلى الإدارة الأميركية أن لا تراهن عليها. فالمعارضة زاخرة بالنرجسيين الذين سيأكل بعضُهم بعضاً». وعندما يصدر هذا الكلام عن شينكر المعروف بدعمه المعارضة في لبنان، فهذا يعني أن مشروع إسقاط «حزب الله» بالسياسة أو الثورة قد أصبح موضع مراجعة.

 

البعض يفضِّل عدم تحميل كلام شينكر أبعاداً أكبر من حجمها، لأن الرجل أورَده من موقع الباحث لا من موقع المسؤول في الإدارة، وفي ندوة أقامها «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى». لكن آخرين يقولون: أياً يكن السياق، هناك إشارة سياسية ذات مغزى أطلقها شينكر عشية العملية الانتخابية، وهو المعروف بخبرته ودقّته ومعرفته بالخصوصيات اللبنانية.

 

الميزة الأساسية لتركيبة المجلس النيابي الجديد هي أن القوى «المتردِّدة» أو «الملتبسة» سياسياً قد تراجعت لمصلحة القوى «الواضحة»، أي: مع «حزب الله» أو ضده. وأبرز «المُلتبسين» كان تيار «المستقبل». وستتبلور مواقف القوى الجديدة وتحالفاتها وتموضعاتها يوماً بعد يوم.

 

لكن المؤكد هو أن العلاقات بين المحورين المتنازعين داخل المجلس النيابي ستكون أكثر حِدّة، وستتّسِم بالتوتر في بعض المراحل، إلى أن تنضج الظروف الإقليمية ويأتي الضوء الأخضر لتسويات كبرى. وعلى مدى 4 سنوات كاملة، سيكون هناك متّسع من الوقت لنقل البلد من وضعية إلى أخرى. وسيبدأ التغيير باستحقاق تشكيل حكومة جديدة، ثم انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

 

ولكن، قبل أي شيء، سيجد الجميع أنفسهم مضطرّين إلى وقف الانهيار المالي والاقتصادي المريع الذي يهدّد بزوال الدولة. وهذا الانهيار بدأ يضغط، وسيتصاعد مع دخول حكومة ميقاتي مرحلة تصريف الأعمال، الأسبوع المقبل.

 

والقرار هنا سيكون سياسياً في الدرجة الأولى، لأنّ الانهيار ليس ناتجاً من الفساد وحده، ولا من خلل تقني في مالية الدولة أو القطاع المصرفي. إنه ترجمة لنزاع السيطرة على البلد. ولذلك، سيفرض وقف الانهيار تَعايشاً صعباً وتفاهماً إجبارياً بين المحورين المتنازعين في المجلس، وخصوصاً بين «حزب الله» و«القوات». فهل سيكون التفاهم هو الأقرب أم التصادم؟