IMLebanon

النازية اللبنانية

 

عرف لبنان خلال العقود الماضية أشكالاً متعددة من النازية اللبنانية، على اساس تفوّق جماعة على اخرى والشروع بعمليات الإبادة الفردية والجماعية تحت شعار حروب الاخرين على ارضنا، والحقيقة هي أننا نقتل بَعضَنا البعض ونُهجر بَعضَنا البعض بخلفيات طهورية، مما يؤكد النزعة النازية لدى كافة المكونات اللبنانية الطائفية والقبلية والمذهبية  البنيوية والاخلاقية مع عدم القدرة على بلورة مواطنية حقيقية تتجاوز الهويات القاتلة.

 

يعيش لبنان لحظة شديدة الدقة والخطورة تتعاظم فيها النزعات الالغائية، مع اندفاعة جامحة لإعادة نكء الجراح واستثارة العصبيات دون رادع وطني قادر على الحد من هذه الموجة الشعبوية، وأخذ البلاد مرة اخرى الى متاهة التفوق الفئوي التي عرفناها منذ الاستقلال حتى الآن، والتي شملت كل المكونات التي عبرت  عن نازيتها وأقامت محارقها وادعت تفوقها على المكونات الاخرى بكل وضوح وعلانية، وما كانت هذه النزعات النازية لتنجح لولا أصالة  النزعة الشعبوية والديماغوجية لدى النخب والعوام.

 

النازية اللبنانية تركت بصماتها على كل مرافق الحياة العامة، من النازية السياسية بين الطوائف وداخل الطوائف وتفوق فئة على اخرى، مما جعل من تعريف لبنان المزرعة توصيف شائع لدى كل المكونات، وتلك الآفة النازية المدمرة تتنقل بانتظام بين الطوائف والمناطق بدقة متناهية، واستطاعت  النازية اللبنانية ان تكون الصفة الجامعة  بين المكونات الوطنية فلا يستطيع اي فريق ان يدعي انه لم يحاول او لم يرغب بإبادة الشريك الوطني.

 

استطاعت النازية اللبنانية اغتيال كل القامات الوطنية التي حاولت بناء مشروع انصهار وطني على اساس المواطنة وتجاوز الهويات المتعددة والمتعسرة والممزقة، وتلك القامات التي اغتيلت  كانت قد تجاوزت الطهورية الطائفية الى مجتمع المواطنة على اساس العمل والإنتاج وبعيدا عن الشعبوية والإلغائية، وبعد كل اغتيال كان لبنان يتقهقر الى الوراء عشرات السنوات وربما تكون العدالة الوحيدة في تاريخ لبنان وتوزع القامات الوطنية التي اغتيلت على كل المكونات اللبنانية.

 

النازية اللبنانية تتعاظم هذه الايام والرغبة بالإبادة الفردية والجماعية عابرة للطوائف والمناطق والأحزاب والتيارات، والجميع يعرف بأن النتيجة ستكون كسابقاتها وهي خسارة الأجيال اللبنانية القادمة الامان والاستقرار والعيش كغرباء في وطنهم، ناهيك عن الأشكال المتنوعة من النازية البغضاء التي تهيمن على كافة مرافق الحياة في لبنان من النازية التربوية التي تمنع الأجيال من التعلم في كتاب واحد يوحد المجتمع ويزخر الطاقات والنازية الصحية والبيئية والوظيفية والإدارية والنازية الاجتماعية والنازية التمثيلية والنازية الحكومية والنازية الأمنية والقضائية والنقابية والرياضية والنازية الإعلامية والعنف الكلامي  والنازية الغبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي الذكية.

 

الظاهرة الاكثر مرارة هي النازية اللبنانية النخبوية الفردية والآنية والغير استراتيجية والغير قادرة على تكوين بيئة عقلانية متنوعة ومنفتحة، او الشروع في حوار حول الافكار الخلاقة على اساس المعايير الدقيقة والاستفادة من تجارب الشعوب والدول والاتجاهات الفكرية والثقافية التي استطاعت ان تتجاوز ويلات النازية بعد الحرب العالمية الثانية عبر الفكرة الاوروبية، التي تشكل  انتخابات برلمانها الظاهرة السياسية الديمقراطية الأهم في العالم  بمشاركة واحد وخمسين بالمئة من ٤٧١ مليون ناخب في ٢٨ دولة، والمؤسف ان النخب اللبنانية اهتمت بنتائج التيارات الشعبوية في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وتجاهلت نتائج  كتلة الخضر التي أصبحت المجموعة الثانية في ألمانيا والرابعة على مستوى اوروبا في حين تجتاح لبنان النازية اللبنانية.