IMLebanon

نظام الكذب وفيدرالية الصدق

 

أثبت النظام السياسي اللبناني منذ الاستقلال مروراً بالطائف ونقل الصلاحيات وصولاً حتى اليوم، أنه نظام فاشل لم يؤد إلى قيام دولة فعلية، ولم يبن وحدة وطنية حقيقية، ولم يُخرج جهات من ولاءاتها الخارجية، ولم ينجح في تأمين الخدمات الأساسية للمواطنين.

 

هذا النظام قام بالفعل على جمع الأضداد بالقوة، حتى ولو أعلن هؤلاء أنهم ارتضوا العيش سوية، ولكنه “عيش” لم يكن يوماً موجوداً سوى في شعارات فارغة حاولت الإيحاء أن الأمور على خير ما يرام، وأننا نموذج يقتضي أن يتشبه العالم المتعدد به.

 

في الحقيقة كان هذا النظام ولا يزال بؤرة للصراع بين الطوائف في لبنان من أجل أن تسيطر واحدة منها على ما يسمى بالدولة اللبنانية، وقد كانت كل الوسائل متاحة في هذا المجال من السلاح إلى الإستقواء بالخارج وزج لبنان في صراعات لم يستفد منها أبداً، إلى تعطيل وشلّ عمل المؤسسات الدستورية وحماية كل الموبقات، حتى أن المحاولة الوحيدة لبناء دولة على صعيد المؤسسات في عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب فشلت بعد تركه سدة الرئاسة، لأن بناء مؤسسات من دون مواطنية لبنانية جعل منها مطية لهذا الزعيم أو ذاك، لهذه الطائفة أو تلك، لهذا الحزب أو غيره، فحشوها بأزلامهم وتقاتلوا على المناصب والمغانم فحولوا المواقع التي هم فيها إلى محميات وأول المحميين فيها هم الفاسدون والمرتكبون.

 

هذا النظام السياسي اللبناني يجب أن يدفن إلى غير رجعة لأنه عامل تدمير مستمر للبلد وناسه، ويفترض أن يعترف الجميع بهذه الحقيقة وأن تكون لديهم الجرأة للإتفاق على نظام سياسي جديد ولا حرج في أي نظام وعلى رأسها الفيدرالية، او ما يشابهها فهي بالتأكيد أفضل بكثير مما نحن فيه اليوم: لا تتيح سيطرة طائفة على أخرى، ولا تفرض على شرائح من الناس خيارات مدمرة لشرائح أخرى، وتسمح لكل كيان في هذه الدولة الفيدرالية أن يبني قطاعات الخدمات كما يرغب رعاياه وبالكلفة التي يراها مناسبة.

 

هذا الخيار لا يمكن أن يرى النور من دون خيار الحياد، وهنا أيضاً لا بد من صراحة في الطرح والسؤال الأساس ماذا استفاد لبنان واللبنانيون من زج أنفسهم في صراعات المنطقة؟ وماذا جنوا غير السلبيات والمشاكل والعقوبات؟ الحياد للذين لا يفقهون لا يعني أن يتخلى لبنان عن سيادته وأرضه ومياهه فحق الدفاع عن النفس أمر مشروع ومقدس، كما أن الحياد لا يعني أن يقف لبنان مكتوف الأيدي تجاه ما رتبته القضية الفلسطينية عليه من أزمة لاجئين واحتلال أراضٍ، فالذي يرضى بالواقع القائم عند الحدود مع فلسطين المحتلة منذ آب العام 2006 وحتى اليوم، يمكنه أن يرضى بواقع إجراءات تعتمد القانون الدولي لاسترجاع ما بقي محتلاً من أرض لبنانية، ولإيجاد حل شامل لأزمة اللاجئين الفلسطينيين.

 

قد يتنطح البعض لترداد معزوفة أن الفيدرالية والحياد هما مؤامرة أميركية – صهيونية وخدمة للكيان الإسرائيلي، ولكن حبذا لو ان هؤلاء يدركون أن ما جرى ويجري في لبنان حالياً هو أكبر خدمة للمشروع الإسرائيلي، فإلى جانبه دولة عاجزة اقتصادياً، مفلسة مالياً، منبوذة عالمياً وعربياً، ينخرها الفساد، يهاجر شبابها، يدق الجوع أبوابها وتتقاتل طوائفها على المناصب والمغانم، أليس كل هذا من أمنيات العدو؟ ألسنا نحن من حققنا له هذه الأمنيات؟

 

في لبنان أصبحت الحقيقة المجردة ضرورة لا تحتمل التأجيل، فهي الوسيلة الوحيدة لبدء الدخول بمسار حل يعتمد رجال دولة صادقين لا كذابين.