IMLebanon

الرئاسة اللبنانيّة: بين الضمانات الشخصيّة والضمانات الوطنيّة! 

 

كان اختيار رئيس للجمهورية اللبنانيّة مشكلة معقّدة نظراً لتركيبة لبنان السياسية وعلاقاته الاقليمية والدولية. فكيف به حالياً والظروف في ذروة تعقيدها على كافة الجبهات والمحاور؟

ونظراً لأهمية لبنان الاستراتيجية على صعيد منطقة الشرق الأوسط، تسعى القوى الكبرى، مع ملحقاتها المحلية، لإيصال شخصية إلى رئاسة الجمهورية تلتزم خطها السياسي. وحيث أنّ الولاء الشخصي والحزبي يمرّ بمراحل مختلفة من الوضوح والغموض في آن، يصبح من المنطقي امتحان المرشحين للرئاسة للوصول معهم وبهم إلى خلاصات واضحة ومحدّدة في خياراتهم السياسية. وعادة ما توضع هذه الخيارات تحت عنوان «الضمانات».

فماذا عن الضمانات السياسية الشخصية التي يجري العمل عليها؟ وماذا عن الضمانات الوطنية المصيرية التي يجري التستّر عليها؟

أولاً: الضمانات الشخصية

1 – تعود لفظة ضمانات في العربية إلى الجذر الثلاثي ضَمِن ومعناه: الكفالة والالتزام. فالضمانات الشخصية التي يقدمها شخص ما لغيره، إنما هي كفالة منه والتزام بالتقيّد بما التزم به وعدم الرجوع عنه. وعليه يكون هذا الالتزام بمثابة تعهد قائم ومستمر في المكان والزمان.

2 – تشمل هذه الضمانات الشخصية مختلف الأمور المتعلقة بالمسائل الشخصية: العلاقات والمصالح والاتفاقات حول الأمور العائلية والمادية والمواقف السياسية، وهي تعني تأكيد الروابط للشخصية بين الضامن والمضمون بحيث يتبع المضمون سياسة الضامن ولا يخرج عليها أو يحيد عنها وهي ذات خط واضح ومعروف ومحسوب سلفاً.

3 – لكن نقطة الضعف في مثل هذه الضمانات أنها تصدر عن نوايا وعواطف ومصالح محددة في الزمان والمكان، بحيث تتعدّل وتتبدّل مع تبدل الأحداث والظروف الحالات لدى رجل الضمانات الشخصية أو لدى الجهة التي صيغت من أجلها هذه الضمانات. ذلك أنّه، وعندما تكون هذه الضمانات ناتجة عن واقع عاطفي نفسي فإنّها تكون عرضة للتبدل مع التبدلات التي تصيب النفس البشرية. ذلك أنّها ضمانات ناتجة عن مكونات ذاتية وليس عن مكونات موضوعية أكثر ثباتاً واستقراراً.

4-ولعل هذه القاعدة تسري أكثر ما تسري على رجال السياسة، مختلف رجال السياسة، بفعل التحولّات والتبدّلات والتناقضات التي تشهدها الساحة السياسية. وفي مثل هذه الحال تصبح الضمانات ذات مصداقية محدودة لدى الضامن والمضمون على حد سواء. فإذا كان هذا الأمر يطرح علامة استفهام بين شخص وآخر( بين ضامن ومضمون)، فما القول إذا كانت الضمانات المطلوبة تتعلق في تحديد العلاقة بين دولة وأخرى؟

ثانياً: الضمانات الوطنية

1- في هذا المجال خرجت الضمانات من علاقة بين رجل ورجل، إلى العلاقة بين رجل ووطن، فالضمانات المطلوبة تتعلق بصلب المكونات الأساسية لكيانية الدولة. إنّ تحقيق الكيانية الوطنية اللبنانية تبدأ بتأكيد وتثبيت وترسيم الأرض اللبنانيّة أي بتعيين القاعدة الجغرافية للبنان الكيان، تطبيقاً لنظرية فريدريتش راتزل «من أن الدولة هي جسم مغروز ومثبت في التربة وفي الأرض»، وبالتالي تكون القاعدة الأساس أنّ «الاعتراف بالحدود المرسّمة للدولة هو اعتراف بسيادة الدولة». إنّ المجال الجغرافي للدولة هو ذو أهمية أساسية لأنه يبيّن موقعها وحجمها وشكلها وحدودها وسكانها وثرواتها وأهميتها الاستراتيجية وعلاقتها بالجماعات التي تقيم فوقها والسياسة المناسبة التي عليها أن تترجمها في علاقاتها الدولية.

2 – بالانتقال من الضمانات الشخصية إلى الضمانات الوطنية الكيانية نكون قد انتقلنا من المتغيِّر إلى الثابت من المتحوِّل إلى النهائي، فإذا كانت سياسة الحكام تتغير وفق الأمزجة والعواطف والمصالح فإنّ خطوط الترسيم الحدودي لدولة ما يبقى أمراً ثابتاً لا يمكن التلاعب به أو تغييره وفق أمزجة الحكّام. ومثل هذا الأمر يقودنا إلى طرح مسألة الحدود بين لبنان وسوريا البرية منها والبحرية، وحتى تاريخه رفضت سوريا ترسيم هذه الحدود انطلاقاً من ايديولوجية يتبناها النظام السوري وهي القائلة إنّ لبنان خطأ جغرافي وتاريخي وهو كان جزءاً من سوريا وينبغي أن يعود كذلك كما صرح الرئيس حافظ الأسد عام 1997 بحسب ما نقله عنه الوزير الفرنسي كلود شيسون (نداء الوطن 17/‏3/‏1997).

3 – أمّا الرئيس بشار الأسد فقد أعطى لهذا الموضوع صورة جديدة. ففي مؤتمر صحافي عقده مع الرئيس الايراني الأسبق احمدي نجاد قال الرئيس السوري: «إن ما سُميَّ الشرق الأوسط الجديد وما طرح من مشاريع لتقسيم المنطقة لن يبدأ من الخرائط، ولن يبدأ من الحدود بل سيبدأ من العقول ومن القلوب. ولاحقاً بعد أن تكتمل هذه الخرائط في قلوبنا وعقولنا سيقومون بعملية إسقاط لها على الخرائط وعلى الأرض… وستكون خريطة المنطقة أفضل بكثير بعد عشر سنوات» (الاخبار والحياة 26/‏2/‏2010) «وهكذا سنرى خريطة أفضل بكثير من الخريطة الحالية التي نعيش فيها».

4 – على ضوء هذا الكلام الواضح والصريح للمسؤولَين السوريَّين الكبيرين يمكن القول والتأكيد إنّ لبنان الكيان ليس حقيقة موضوعية في قلوب وعقول سلطات دمشق. وبالتالي فإنّ الضمانة الحقيقية المطلوبة من أي رئيس لبناني، وكائناً من كانت صفته أو انتماءه هي ضمانة وطنية كيانية مصيرية وليست مجرد موقف سياسي عارض يمرّ في سياق التبدلات السياسية في المنطقة. بكل اختصار ووضوح، وجدنا من المناسب أن تجري ضمانات عكسية يتم فيها الالتزام بترسيم حدود سوريا مع لبنان. ذلك أنّ رفض سوريا لترسيم هذه الحدود يعني عملياً عدم اعترافها بسيادة لبنان واستقلاله. ومن باب الرد على السياسة السلبية للرئيس ايمانويل ماكرون تجاه لبنان الصديق التاريخي لفرنسا، وجدنا من المناسب أن نعيد إلى ذاكرة الرئيس الفرنسي ما كتبه الجيو- سياسي الفرنسي المعروف Yves Lacoste:

Il faut rappeler que la Syrie n’a jamais reconnu formellement l’indépendance du Liban

مجلة «Hérodote No 86,1985». وترجمتها بالعربية: «ينبغي التذكير بأن سوريا لم تعترف ابداً باستقلال لبنان»…

السؤال المطروح على عقل وضمير الرئيس ماكرون والفرنسيين: أليست هذه هي الضمانة الصحيحة والمهمة والمطلوبة من أجل لبنان وفرنسا وسوريا في آن، في مرحلة من أدق المراحل التي يمرّ بها تاريخ لبنان المعاصر؟ في الإجابة على هذا التساؤل يمكن رسم فاصل عادي، وليس حدودياً بين لبنان الكيان من جانب وسوريا من جانب آخر! وبين لبنان الوطن من جانب وفرنسا شركة توتال من جانب آخر.

(*) باحث في الفكر الجيوسياسي