IMLebanon

سيناريوهات لبنانية للأزمة السورية: كلٌّ يُغنّي على ليلاه!

بحجم المفاجأة التي أحدثها التدخّل الروسي في سوريا تُبنى السيناريوهات المتعدّدة. وعلى طريقة كلّ يُغنّي على ليلاه، يتوسّع بعض اللبنانيين في سيناريوهاته، من قائل إنّ النظام السوري انتصر منذ اليوم، وآخر يقول إنّ روسيا تورّطت سريعاً في «افغانستان جديدة» وإنّ الحلف الدولي لم يفوّضها بالحلّ النهائي. فما الدافع ليتسرّع اللبنانيون في طلب الوصاية؟

فرَض التدخّل الروسي في الأزمة السورية قراءة جديدة لكلّ المعطيات المحيطة بالأزمة التي تعصف بالبلاد منذ أربع سنوات ونصف، والتي تسبّبت بهجرة بضعة ملايين منهم وقتلت عشرات الألوف من عسكريّين ومدنيّين، ولم يُواجهها اللبنانيون الى اليوم إلّا بالسيناريوهات الوهمية التي تتساقط في كلّ جولة بعد أخرى، فيتسابقون الى تبنّي انتصارات النظام تارة والمعارضة تارة أخرى.

على وقع مسلسل الأفلام التي تُعمّمها القيادة الروسية لعملياتها العسكرية في سوريا والتي لا سابق لها في تاريخ الحروب الروسية، يُسارِع أنصار النظام ومؤيّدوه الى تبنّي الإنتصارات الروسية على أنّها في شكلها ومضمونها وتوقيتها ستسمح للجيش وحلفائه الإقليميين باستعادة ما فقَدوه من مواقع استراتيجية باتت تُهدّد «سوريا المفيدة» التي لا تمتدّ سوى على 20 في المئة من أراضيها وفق الحدود والمساحة المعترَف بهما دولياً.

ولم ينتظر أصحاب هذه النظرية أياماً لمعرفة المدى الذي ستتّخذه العملية الروسية في انتظار التفاهم الدولي على حدودها القصوى. فسارعوا الى توقّع استعادة السيطرة على كامل الشمال السوري وصولاً الى الحدود التركية والعراقية، لينكفئ لاحقاً في اتجاه فكّ الحصار عن عاصمته واستعادة الجنوب على رغم الصعوبات التي تواجه مثل هذه العملية الشاملة التي تعتبر حتى اليوم من سابع المستحيلات.

ولم يكتفوا بذلك فهم يتوقعون أن تلي ذلك عودة النظام نفسه الى وضع اليد على الساحة اللبنانية والتقرير في هوية رئيس البلاد ومن بعده في كلّ شاردة وواردة وكأنّ شيئاً لم يتغيّر منذ 26 نيسان 2006.

وفي مقابل هذه النظرية، يُسارع فريق لبناني آخر الى اعتماد سيناريو آخر يتحدّث عن وجود مَن استدرج الروس مرة أخرى الى «التجربة الأفغانية» في سوريا على رغم الفوارق في الوضعين السوري والأفغاني، ومدى استعداد القوات الروسية للتورّط براً وبحراً وجواً في الأراضي السورية وهي تجربة لن تُكرّرها روسيا مرة أخرى.

ويُضيف أصحاب هذه النظرية، ليقولوا إنّ مشوار استعادة النظام سيطرته على كامل أراضيه طويل ومعقّد وصعب، ما يَجعل الحديث عن الموضوع حلم ليلة صيف. فالمعارضة السورية بمَن تُمثّل ومَن وراءها من دول وأنظمة ليست لقمة سائغة ليُبنى على المظلة الروسية للنظام وحلفائه كلّ هذه السيناريوهات.

وكلّ ذلك يجرى تزامناً مع اعتقاد يسود الأوساط الديبلوماسية بأنّ العملية الروسية ستُعيد في المرحلة المقبلة التّوازن المفقود بين النظام ومعارضيه نتيجة الإنكسارات الأخيرة التي أبعَدته من شمال البلاد.

فالروس وقياساً على التجارب السابقة يعتقدون أنّ إعادة الأطراف الى طاولة المفاوضات يستلزم أولاً إعادة التوازن المفقود بينهم وهو ما أضاعَ عند فقدانه كلّ الفرص في مسلسل مؤتمرات موسكو وجنيف وما آلت اليه مساعي الموفدين الدوليين.

وما يدعم الإشارة الى الهدف الروسي المباشر في هذه المرحلة ما تسرَّب من نتائج لقاءات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووليّ وليّ عهد المملكة العربية السعودية. فقد حدّد بوتين أمام زائره أولويّات العملية العسكرية وحصرها بضرب الإرهاب ومنع إقامة «دولة الخلافة» التي تشكّل نقطة توافق بينهما للمساعدة في إطلاق الحوار بين الأطراف السوريين طالباً من المملكة ممارسة نفوذها لتسهيل ذلك.

وبناءً على ما تقدَّم ومن دون تَغييب ما يدعو الى التريّث في انتظار ما ستحمله الأسابيع المقبلة، يبقَى أنّه من الأفضل أن يتريَّث اللبنانيون في البناء على سراب انتصارات هذا الطرف أو ذاك ليبنوا عليها مواقفهم التي يشتمّ منها حجم الرغبة في استدراج الخارج الى الداخل مرة أخرى وشراء الوصاية.

ولذلك تبدو الدعوة الديبلوماسية للقادة اللبنانيين الى التريّث والبحث عن صيغة داخلية تَحمي البلاد من شرّ ما يَدور من حولها لتبقى في منأى عن التسويات الكبرى التي يُمكن أن تطيح ما حقّقه اللبنانيّون من إنجازات متواضعة.

فالعالم المنشغل بالملفّ السوري ليس لديه ما يقدّمه إلى لبنان سوى إبقائه خارج حلبة المصارعة الكبرى في ما يُصرّ اللبنانيون على ردّه الى أتون الحروب، لعلَّ فيها ما ينقلهم الى المواقع التي يحلمون بها و»إلّا من بعدي الطوفان».