عن الحرب والحزب والتسلم وتسليم السلاح أو نزعه، ومستقبل الاستقرار والصيغة؟ في ما خصَّ الحرب، لا أقصد فقط الحرب الأهلية التي اندلعت في 13 نيسان عام 1975، بل سلسلة الحروب، التي كان آخرها، مشاركة حزب الله، في ما أطلق عليه «حرب الإسناد» لمعركة «طوفان الأقصى» التي أطلقتها حركة «حماس» من قطاع غزة في 7 ت1 (أوكتبر) من العام 2023..
طالت الحرب بين إسرائيل وحماس أكثر مما كان متوقعاً، وهي ما تزال مستمرة، ودخلت القوى المنخرطة في ما كان يسمى «محور الممانعة» أو المقاومة في الحرب، تحت مسمى «الإسناد» لئلا تستفرد إسرائيل بحماس، وتأسرها في قطاع غزة والضفة الغربية..
تطورات الحرب الإسرائيلية على حزب الله، من التصفيات وحركة البايجرز إلى القصف على المنازل والمنشآت من الجنوب إلى الضاحية الجنوبية فالبقاع بشماله وجنوبه، امتداداً إلى الأراضي السورية..
توقفت الحرب في 28 ت2 من العام 2024، وتشكلت لجنة من 5 أطراف، تجتمع في مقرّ قيادة قوات الأمم المتحدة (اليونفيل) في رأس الناقورة، وتضم ضباطاً من الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي، وضباطاً من دولتي الضمانات والرعاية الدولية: الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا..
فتح اتفاق وقف إطلاق النار الطريق في لبنان لإعادة تركيب السلطة، سواءٌ في رئاسة الجمهورية، اذ انتخب قائد الجيش حينها العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية، ثم جاءت الحكومة التي يرأسها الرئيس نواف سلام..
تبدَّل المشهد اللبناني بآلياته الداخلية وإرتباطاته الإقليمية، وحتى الدولية. غاب عن ساحة الصراع الأمين العام السابق لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي قضى شهيداً بغارة على مقرّ كان يعقد فيه اجتماعاً مع قيادات عسكرية من الحزب مع وفد إيراني عسكري كبير..
كما غاب عن المشهد خلفه السيد هاشم صفي الدين، بغارة مماثلة، وبفترة زمنية قصيرة، تمكنت إسرائيل، مدعومة من قوى شتى من تعريض بنية الحزب القيادية لخطر التفكك، ودفعه إلى اللهاث وراء التسويات الانقاذية، ليس لمكانته أو دوره العسكري، بل لاعتبارات أخرى تتعلق بالبيئة والطائفة، والخصوصية اللبنانية، وصولاً إلى الصغية.. التي تنظم العلاقات بين المجموعات اللبنانية، التي تكوِّن ما يعرف دستوراً «بالأمة اللبنانية» واجتماعياً «بالمجتمع» أو الشعب اللبناني..
في هذا الشق، من المؤكّد ان حزب الله أدرى بشعاب وضعه، وما يعلنه قياديّوه يخصه وحده، ولا يخص سواه، إلَّا على سبيل المهام المنوطة بالأطراف تجاه الحزب ومصيره، الذي يتعدى مصير سلاحه..
إقليمياً، خرجت سوريا من معادلة المجال الحيوي، أو الدعم أو ما شابه، وسقط نظام آل الاسد، الذي وفَّر لإيران، ولأطراف ذات الصلة معها ملاذات آمنة، وطرق إمداد، ومراكز انتشار وتدريب وسوى ذلك جاءت إلى السلطة في سوريا قوى إسلامية، ولدت من رحم «جبهة النصرة» التي قاتلها حزب الله على الأراضي السورية، إذاً، من الشرق والشمال، تقف قوة عسكرية وسياسية تحكم سوريا اليوم، على درجة من الخصومة والعداء مع حزب الله، معلومة لكل من لديه بصر وبصيرة..
انسحبت الجماعات العراقية المسلحة من جبهة الدعم، وانكفأت إلى داخل ترتيبات تخص العراق، الذي أحجمت قيادته عن إقحامه في الحدث السوري، لنصرة نظام البعث في سوريا، الذي سجَّل سقوطاً مدوياً على وقع القرارات الكبرى الدولية في إحداث تغيير في سوريا.
من البحر الأحمر إلى أقصى الخليج، بقيت حركة «أنصار الله» الحوثية، ترشق صواريخ «خرق صوتي» من بعيد دعماً لغزة. وذهبت إيران حاضنة المحور إلى البحث عن تفاهمات مع «الشيطان الأكبر» أي الولايات المتحدة «بالتعبير الإيراني»، بحثاً عن رفع العقوبات، واستعادة الأموال المجمدة، ورفع الضغط عن الصين لجهة استيراد النفط الإيراني.
يزعم بنيامين نتنياهو (وهو ما يزال على رأس حكومة اليمين في إسرائيل) أنه غيَّر الشرق الأوسط، ويتصرّف وكأنه المقرّر عن الغرب الاستعماري بنوعيه الأوروبي الغربي، والأميركي الشمالي، حتى كانت لحظة استدعائه إلى البيت الأبيض، في استعادة غير متطابقة بالكامل لفلادمير زيلنسكي، رئيس أوكرانيا المنخرط بالحرب بالغة الضرر مع ندّه الروسي فلادمير بوتين، حيث أبلغه رئيس الولايات لمتحدة ان قصف اليمن مسؤولية أميركية فقط، وأن الملف النووي الإيراني يخص الولايات المتحدة الأميركية، وادارته في البيت الأبيض..
وعليه، كان الردّ الإسرائيلي الإمعان في الحرب على غزة، رداً على تعهد ترامب بإنهاء الحرب في وقت قريب، مما يؤدي إلى صفقة استعادة الرهائن والأسرى لدى حركة «حماس».
ضمن هذه الإحاطة، لا يمكن لنتنياهو أو كاتس (وزير الدفاع) أو غيرهم من الوحوش في مجمع الحربي الإسرائيلي الزعم بأن الشرق الأوسط تغيَّر لصالح هيمنة إسرائيل على المشهد الاقليمي من افغانستان وباكستان إلى جبال طوران والهضبة الايرانية، وصولاً إلى جبال الأناضول..
في لحظة اعادة بناء المعادلات الجديدة، على أرض النزاعات الموروثة والتاريخية في الشرق الأوسط، وخاصة في الشرق الأدنى، يتقدم الوضع اللبناني في سُلَّم الاهتمامات الأميركية والدولية – الأوروبية والعربية، ليس لانتشاله من حضن محور المقاومة، الذي دخل في أرشيف الماضي، ببُعديه القديم والحديث، بل لإنهاء القوى المسلحة غير الشرعية، سواءٌ أكانت أحزاباً لبنانية – أو فلسطينية، أو سورية، أو خلاف ذلك، وصولاً إلى سلاح حزب الله..
قبل 7 ت1 (2023)، كان من الصعب، أو من سابع الممنوعات أن يجرؤ أحد للمطالبة بنزع سلاح الحزب، وكانت الاستراتيجية الدفاعية تسبح في غياهب الفلتان والفراغ في السلطة، وتحوُّل الإدارة المترهلة، والوزارات، إلى ملاكات سائبة، يعشش فيها الفساد، وينتشر «كالسرطان»، وهو التعبير الذي استخدمته الأميركية مورغن أورتاغوس، لوصف حزب الله..
كانت شعارات المرحلة السابقة دقيقة بعناصر القوة، وقوة المحور الوهمية.. أمَّا وأن حصل ما حصل من 8 ت1 حتى الآن، فإن البحث انتقل من الاستعداد لبحث ملف السلاح، بعد تسلمه أو التخلي عنه، جنوبي نهر الليطاني، حيث الإمرة الرسمية اللبنانية، هي للجيش للبناني فقط، ضمن اطار التنسيق مع قوات حفظ السلام الأممية (اليونيفيل) جنوبي النهر..
خارج اللهجة الموتورة للموفدة الأميركية، التي تقلب على ظهرها وبطنها، على مستوى المواقف، تندفع قوى لبنانية لحرق المراحل، والمطالبة بتسليم حزب الله، لسلاحه، وكأنه «صفقة تهريب»، بعدما ألقي القبض على المهرّب، أي على الحزب..
وهذه المقاربة، تنمُّ عن قصور في الرؤية، وعجز عن فهم السيرورات التاريخية.
على أن الموقف، الذي يحظى بالاحترام هو موقف – المقاربة الواقعية، التي يعتمدها الرئيس جوزف عون، ليس لجهة الحوار، بل فهم أن عملية إنهاء دور سلاح حزب الله، هو الشرط الضروري، وربما الكافي لاعادته إلى الدولة، ضمن استراتيجية الأمن الوطني.
ولعلَّ احتضان حزب الله، عبر اشراكه في الحكومة، ودوره المدني والمجتمعي، يفتح الطريق أمام مرحلة، يصبح فيها التخلص من سلاحه، مسألة وقت اذا نفذت إسرائيل مستلزمات وقف النار مع لبنان.