IMLebanon

لوين رايحين؟!

 

تنظر حولك فترى الوطن مثخناً بالجراح العميقة النازفة، وتحسّ بوجع الناس في كل موضع ومكان، وكل حاجة ومطلب وقضية. فلقد أصبنا في قوميتنا وعروبتنا، وأصبنا في إسلامنا، وأصبنا بداء الطائفية والمذهبية، داءً سرطانياً يأكل أحشاء الوطن، ويدمّر أبناءه، ويحرق الأخضر واليابس.

 

تنظر في تحوّل المواقف السياسية في لبنان، وتحزن على انقراض الرجال الأشداء في الحق رغم لوم اللائمين. تنظر في شؤون الفن والشعر والأدب والثقافة وإلى أي منحدر وهاوية قد وصلت إليه، فتبكي على الماضي والتراث، وتلعن المستقبل والحداثة!

 

ترى تقاعس الدولة في واجباتها تجاه المواطن صحة وتعليماً ورخاء وأمناً وشيخوخة، وعدالة اجتماعية وإنماء متوازناً، فيصيبك الإحباط واليأس والقرف، وتكفر بالوطن جاعلاً همّـك الوحيد الحصول على تأشيرة الهجرة.

 

ليس أسوأ من أن تعيش فصول الكارثة، في بلد وهب الله بشره وحجره جميع مقوّمات النجاح والتألق، بيد أن أبناءه اتخذوا منحى الخلاف والشرذمة والصراع، وحوّلوا العيش فيه إلى جحيم وبركان قد تنفجر حممه في أية لحظة.

 

لست أفهم هذا الإنسان اللبناني الذي يُبدع ويتفوق ويبرز في سائر أصقاع الدنيا، على اختلاف نظمها وثقافاتها واقتصادياتها، ومع ذلك نجده، داخل لبنان، يصطفّ ضمن أطر مذهبية ومناطقية وعشائرية ضيّقة، وتذوب شخصيته ويضمحل دوره، وصولاً إلى أن يعمل خلاف مصالحه الشخصية، وضدّ مستقبل أولاده وأحفاده.

 

ولست أفهم سرّ هذه الذاكرة الضعيفة القصيرة الانتقائية التي نسيت أهوال الحروب الأهلية اللبنانية بأشكالها وأهوالها ومآسيها ونكباتها المختلفة المتتابعة منذ عام 1840 وحتى اليوم.

 

نُضيع الفرصة تلو الأخرى في تحويل البلد إلى وطن حقيقي مؤسساتي نفتديه حقاً بالمُهج، لأنه ملاذنا ومصدر فخرنا واعتزازنا، ولأنه مربط لقمة عيشنا بكرامة، ومآل ومستقبل أبنائنا وأحفادنا.

 

نسأل مع الناس بحسرة «لوين رايحين؟»… ولكننا نأمل مع المتفائلين بأن يكون هذا هدوء ما قبل العاصفة، وهي سوف تهبّ لا محالة، وستطيح بالفساد والتعنت والأنانية والبغي.