IMLebanon

الخلاص في لبنان فقط

 

يواجه لبنان أعاصير من الأزمات الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية والأمنية والعسكرية والإدارية والقضائية وانهيارات في كافة مؤسسات الحياة العامة التي تعاني من خلل  في بنيتها وإداراتها وتوجهاتها، مما دفع العديد من السياسيين والإعلاميين إلى الحديث عن احتمال موت فكرة الدولة الوطنية اللبنانية، في حين ذهب البعض الآخر إلى التصرف على أساس أنها ماتت بالفعل، وشرع في عملية إجراءات الميراث الطائفي والمذهبي والمناطقي.

 

كثيرة هي التراكمات السلبية نتيجة الشطارة اللبنانية والاجتهادات الوهمية والتي جعلت من (لبنان أولاً) شعاراً مكروهاً ويهدد الوحدة الوطنية على قاعدة أن اللبنانيين متعددي الولاءات الخارجية وبعضهم يعتبر أن لبنان وطنهم الثاني، حتى أننا نستطيع بسهوله تحديد الانتماءات الخارجية لغالبية اللبنانيين في حين يصعب تحديد المجموعات التي تنتمي إلى لبنان فقط، فالمكونات السياسية اللبنانية تعمل وتضحي وتفكر وتقاتل من اجل لبنان، ولكن على أساس دفاتر الشروط الخارجية الأميركية والفرنسية والبريطانية والأوروبية والعربية والإيرانية والتركية والروسية، ناهيك عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة وقراراتها وجنودها وشركات التنقيب عن الغاز والنفط في البحار ومشاريع التفاوض مع إسرائيل من اجل ترسيم الحدود البرية والمائية، مما يجعل التحالفات والخلافات السياسية تتكون على أساس دفاتر الشروط الخارجية، وعلى هذا الأساس أيضا يتم تشكيل الحكومات وتكتب البيانات الوزارية.

 

تحاول مكونات السلطة هذه الأيام  العمل على تفكيك الوحدة الداخلية التي عبّرت عن نفسها في مواجهة الأزمة الوجودية الاقتصادية والمعيشية بالتظاهر والتجمع والاعتصامات، وتحاول مكونات السلطة  إثارة النعرات الطائفية والمناطقية وصناعة الكراهية بين المكونات الوطنية وإعادة إحياء ثقافة خطوط التماس والحواجز الطائفية الكريهة واستدعاء التعاطف الخارجي المسيحي والإسلامي، بالإضافة إلى تجديد المخاوف القديمة من وحش التوطين الفلسطيني المرفوض من كل اللبنانيين  بالإضافة إلى اختراع وحش جديد هو توطين النازحين السوريين، وذلك لأن مكونات السلطة تعيش حالة من الندم والإنكار بسبب فشلها في قيادة سفينة الشرعية الوطنية خلال السنوات الثلاث الماضية، وبسبب ما قد تحمله تداعيات الأزمة الحالية من تطورات قد تأخذنا نحو استحقاقات استراتيجية رئاسية وعسكرية وأمنية وكيانية بالإضافة إلى تداعيات الانهيارات الاقتصادية والمالية.

 

خلال الأسابيع والأشهر القادمة سيدرك الجميع بدون استثناء بأنهم على مدى مئة وستين عاماً كانوا يحاربون طواحين هواء، وان الحقيقة الوحيدة منذ لبنان الصغير حتى الآن هي تلك التجربة الوطنية الواحدة التي تجسدت وتألقت وانتكست في بيروت الحرية والتنوع والانفتاح والحق بالعيش بأمان، وسيدرك عموم اللبنانيين انهم ليسوا أولوية لدى الأزهر أو الفاتيكان أو النجف أو الجامعة العربية أو الأمم المتحدة أو منظمة المؤتمر الإسلامي، وان الخمسة ملايين لبناني هم مجرد أرقام هزيلة أمام مآسي مئات الملايين من المسيحيين والمسلمين في اكثر من مكان من هذا العالم، وسيدرك عموم اللبنانيين من الكبار والصغار والفلاسفة ورواد السفارات وكتّاب التقارير بأننا جميعا قد ضللنا الطريق، وأضعنا تضحيات أجدادنا وأجيالنا، وأن الخلاص ليس في لبنان أولاً بل في لبنان فقط.