IMLebanon

أكثر من وطن..

 

 

عندما اتّفق اللبنانيّون على استقلال بلدنا، إتخذوا قرارين مهمّين:

قسم من الشعب قرّر أن يقول «لا» للحماية الغربيّة، وتحديداً الفرنسيّة، وقسم آخر قرّر في المقابل أن يقول «لا» للإنصهار في كيان عربي كبير.

 

الصحافي والأديب والسياسي الكبير جورج نقّاش الذي أسّس جريدة «الأوريان»، لاحظ انّ هذا التفاهم ناقص. لا يكفي ان نقول «أيّ لبنان نرفض»، يجب ان نقول «أيّ لبنان نريد».

 

كتب النقّاش مقالاً قبل 71 عاماً عنوانه الكبير: «سلبيّتان لا تصنعان وطناً».

 

رأى كلّ المصائب التي يمكن أن تنتج عن سلبيّة القرارين إذا لم يتوّجهما قرار إيجابي يحدّد جوهر الوطن المطلوب.

يومها ماذا كانت ردّة فعل المسؤولين على هذا المقال الواعي والصريح؟

 

سجنوا كاتبه 3 أشهر.

 

مضى علينا 77 عاماً ونحن على هذه الحال. نرشق بعضنا بعضاً بسلبيّات تشدّ البلد بين «لا» من هنا و»لا» من هناك، ولم نعثر على كلمة «نعم» نتّفق عليها.

 

والدليل أننا اليوم نتفاجأ بأصوات تقول: لم نعد نريد ميثاق 1943 ولا نريد «اتفاق الطائف». تقابلها أصوات عادت الى سيرة الفدراليّة.

 

ما الغاية من هذه الأصوات في ظروف لبنان الحالية؟… وأيّ هدف يتحقّق عندما نهاجم الميثاق الذي وُعِد لبنان بموجبه بأن يبني عليه أوّل وأهمّ تجربة للتكامل بين الحضارات والأديان، بدلاً من نزاع الطوائف والحروب المذهبيّة.

 

لأيّ هدف يُهاجَم مؤتمر الطائف الذي فتح باب المصارحة بين مكوّنات الشعب اللبناني برعاية عربيّة ودوليّة، ليحرّر لبنان من رواسب الطائفيّة البغيضة ويوصله الى المستوى المقصود بعبارة البابا يوحنا بولس الثاني: «لبنان أكثر من وطن. لبنان رسالة إنسانيّة».

 

للأسف وقفت المصالح الضيّقة والمزايدات الشعبويّة والمحاصصات في وجه مقرّرات «الطائف» وشوّهت مسيرة الجمهوريّة الثانية، حتى أوصلتنا الى الخراب.

 

يا لطيف شو منفهَم؟

 

رجعنا الى لعبة الإمتيازات كلّما شعرت جهة معينة انّ الظروف الدولية والإقليمية تتيح لها أن تستقوي على شركائها في البلد؟

 

إنها لعبة كلّفتنا منذ العام 1975 الى العام 1990 دماراً شاملاً ومقتل 150 ألف مواطن وسقوط 300 ألف جريح ومعوّق فضلاً عن المفقودين والمهاجرين من خيرة شباب الوطن…

 

بعد كلفة كهذه لم نتعلّم من أخطاء الماضي كيف نحمي مصير بلدنا وأجيالنا؟

 

الطروحات العدميّة والهدّامة التي نسمعها اليوم ضدّ توازن الصلاحيّات الرئاسيّة أو ضدّ الكيان اللبناني لا توصل إلّا الى ذبح الوطن وإثارة الفوضى والتنكّر لرجالات الاستقلال والنضال الوطني.

 

لبنان الذي واجه العالم كلّه وقدّم نموذج العيش الواحد بين الأديان…

لبنان الوطن الذي احتضَن كلّ معاني الإيمان والرقيّ ودفع ثمنها غالياً ولم ينهزم…

 

المَسّ بكيانه، التلاعب بخصوصيته، بنظام حكمه الغني بالتنوّع والمحبّة والتكامل… والإعتداء على وحدة شعبه الحيّ… ومحاولة انتزاع الصلاحيّات لأطماع فئويّة على حساب «اتفاق الطائف»… كلّها أخطاء لا نسمح بها ولا ينتج منها إلّا دمار صيغة العيش الواحد الذي يميّز لبنان عن محيطه.

 

ولا نسمح بانتقاص صلاحيّات رئاسة مجلس الوزراء أو المسّ بسائر المقامات التي أقرّها «الطائف»… لا بل نطالب وبإصرار باستكمال تطبيق «الطائف» كما يجب، لنتمكّن أخيراً من تقييمه النهائي إمّا لتكريسه أو لتعديله نحو الأفضل.

 

لبنان رسالة محبّة. لبنان أكثر من وطن.

لا نقبل أن يصغّر أحد لبنان، لا بالهيمنة ولا بالتفرقة.