IMLebanon

مساع أميركية لطي صفحة «الترسيم».. ولبنان أمام تحديات الموازنة و»سيدر»؟!

 

ما جمعه وداع الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، في يومه الاخير أول من أمس، تفرقه السياسة كل يوم، ولبنان على أبواب تطورات دولية – اقليمية متسارعة في منطقة الشرق الاوسط عموماً، ومنطقة الخليج على وجه الخصوص – في ظل التوتر المتزايد بين الولايات المتحدة الاميركية وايران التي لم تترك لها صاحباً في سائر الجوار..

 

تستثمر الادارة الاميركية هذا الواقع، على رغم ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب وجه طعنات بالغة الخطورة، في صدر الحقوق العربية، ابتداءً من اعترافه بالقدس عاصمة لـ»اسرائيل» ونقل السفارة الاميركية اليها، الى اعلانه الجولان السوري المحتل تحت السيادة الاسرائيلية، ناهيك بسائر القرارات التي من بينها التصنيفات الارهابية والعقوبات التي طاولت العديد من القوى والاحزاب من بينها «حزب الله» في لبنان، وحركة «حماس» و»الجهاد الاسلامي» الفلسطينيين..

 

ومع ذلك، تتأرجح مواقف الادارة الاميركية، ومع كل الحشد العسكري البحري والجوي والبري الاميركي في المنطقة، والتلويح بارسال 120 الف جندي مقاتل يطل الرئيس الاميركي ترامب آملا ان لا تكون الولايات المتحدة في طريقها الى حرب مع ايران، هذا في وقت اكدت فيه رئيسة مجلس النواب الاميركي نانسي بيلوسي، ان البيت الابيض (مقر ترامب الرئيس) لا يملك تفويضا من الكونغرس (مجلس الشيوخ) لشن حرب على الجمهورية الايرانية..

 

لم تستقر الخيارات الاميركية على شيء بعد.. على رغم ان ايران تحتل مركز الصدارة في المتابعات والاهتمامات الاميركية، السياسية والامنية والاعلامية، وهي (اي ايران) التي نصبت، وفق الـ»نيويورك تايمز» صواريخ على قوارب صغيرة في مياه الخليج، ما اثار مخاوف من امكانية توجيه طهران ضربات الى الوحدات الاميركية او ممتلكاتها او تلك التي تعود الى حلفائها..

 

وإذ تتحضر ايران، وقد رفعت سقف تحدياتها واستعداداتها.. فإن انظار عديدين تتجه الى لبنان، مع كثافة الوفود الاجنبية التي تحاول ضخ الثقة به، وتعزيز مناعته والتشديد على «النأي بالنفس» ازاء الصراعات الناشئة وما يمكن ان تصل اليه لاحقاً، وقد اعتمد «حزب الله» سياسة هادئة، والاهتمامات المحلية تركز على ثلاث مسائل اساسية، تتمثل بانجاز الموازنة العامة، وتوفير كل ما تستلزمه «سيدر» من اصلاحات، وترسيم الحدود البرية والبحرية مع فلسطين المحتلة (الكيان الاسرائيلي)، حيث عاد الى لبنان قبل أيام، وبعد غيبة طويلة مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط، ديفيد ساترفيلد، والتقى الرؤساء الثلاثة، ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل الذين اجمعوا على موقف واحد يتمسك بالسيادة والحدود البحرية كما ويحق لبنان في الاستفادة من الثروة النفطية والغازية ليتوجه بعد هذه اللقاءات وما آلت اليه، وما استخرج منها، الى «إسرائيل» بهدف ايجاد مخرج ومعالجة هذه المسألة..

انتقل ساترفيلد من بيروت الى تل ابيب في مهمة خلاصتها وضع القيادة الاسرائيلية في الاجواء اللبنانية ولمناقشة الطروحات اللبنانية المجمع عليها من الافرقاء اللبنانيين كافة، من دون ان تغيب عن هذا اللقاء مسألة آلية المفاوضات حول ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان والكيان الاسرائيلي.. وفي هذا اكدت مصادر مطلعة ان ساترفيلد أصغى للاقتراحات اللبنانية وأبدى تفهماً لها..

 

قد يكون من السابق لأوانه التكهن بما يمكن ان تؤول اليه مساعي المسؤول الاميركي، وهو لم يحضر الى لبنان، إلا بقرار من دولته ومرجعياته مشفوع بعدم ممانعة اسرائيلية.. والجميع ينتظر عودة ساترفيلد الى بيروت وقد راح البعض بعيداً في التفاؤل، بعدما تبلغ لبنان، من غير مصدر رسائل تطمين اميركية تؤكد بأن لا تصعيد جنوباً..

 

الواضح حتى الآن ان هناك اتجاها جدياً نحو اجراء مفاوضات برعاية الأمم المتحدة وحضور اميركي، لترسيم الحدود البحرية، ناهيك بما اشيع عن طلب الادارة الاميركية من «اسرائيل وقف الاشغال في الحقول النفطية في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان او القريبة منها.. بانتظار ما ستكون عليه المفاوضات»..

 

والواضح أيضاً، ومن خلال معلومات يجري تداولها في العديد من الاوساط، ان الولايات المتحدة، نصحت لبنان باعتماد صيغة التهدئة وضبط الاعصاب، في هذا الملف الدقيق والبالغ الأهمية، وتجنب الوقوع في افخاخ ما يجري في المحيط الاقليمي، البعيد والقريب.. والاسبوع المقبل، امام استحقاقات ضاغطة، من بينها انجاز الموازنة التي دخلت في عالم الارقام المتنازع عليها بالتقاطع مع استمرار الحراك الشعبي والنقابي والاضراب العام (أمس الجمعة) في كافة الادارات الرسمية العامة، تعبيراً عن رفض سياسة «قضم الحقوق»..

 

منطقة الشرق الاوسط، عموماً، امام احتمالات عديدة ومتنوعة.. ولبنان ينتظر، والرئيس سعد الحرير لايزال على قناعته بأننا أمام فرصة لتصحيح الاوضاع في البلد، داعياً الجميع الى عدم اضاعة الوقت كما  واضاعة فرصة «سيدر» وما يؤسس عليها.. وما يقوم به، الحريري «ليس مسكنا بل هو علاج» وعليه لابد من البدء بمسيرة الاصلاحات المطلوبة وبإلحاح..