IMLebanon

لبنان ما بين الدور الروسي والوكيل الإيراني     

    

التدخل العسكري الروسي في سوريا، ودون أدنى شك، هو التطور الأبرز المرشّح للتحكّم بالمجريات والتطورات التي سيشهدها ما سمّي «بالهلال الشيعي» المُمتد من العراق حتى لبنان. توقيت هذا التدخل جاء في لحظة إستشعرت فيه روسيا أنّ مصالحها في سوريا مهددة، وأنّ النظام القائم أصبح عاجزاً عن الدفاع عنها، بصرف النظر عن دعوة الرئيس بوتين الصريحة لإقامة تحالف دولي ضدّ الإرهاب، يكون الجيش السوري في قلبه على أن يتمّ بعدها التفاوض على مستقبل النظام في سوريا وآلية انضمام المعارضة إليه.

هذا المُعطى إذا أضيف إلى ما تم الإفصاح عنه من قِبَل رئيس الحكومة العراقية حيدر العبّادي عن قيام تعاون استخباراتي روسي – سوري – عراقي – إيراني لدعم العمليات العسكرية ضد التنظيم المتطرف، والى المرونة في الموقفين الأوروبي والاميركي من مسألة مشاركة الرئيس الأسد في المفاوضات وفي المرحلة الانتقالية ولو لفترة وجيزة برغم إصرار الرئيس الأميركي في خطابه بالأمس أمام الجمعية العامة على تسمية الرئيس السوري بالطاغية وبأنّه يجب أن لا ندعم المستبد لأن البديل هو الأسوأ، تتضح امامنا صورة لمنظومة السيطرة المرشحة للعب الدور المهيمن للتحالف الجديد.

التجربة الأميركية في العراق لا يمكن أن تتكرر في سوريا، حتى من قبل الجيش الروسي الذي خاض تجربة مماثلة في أفغانستان. الدروس المستقاة من كلتي التجربتين قاسية ومنها أنّه لا يُمكن فرض الاستقرار على أرض أجنبية من دون العمل مع الشعوب، وإنّه لا يُمكن للقوة وحدها أن تفرض النظام على المستوى الدولي.

مجموعة من الثوابت يُمكن قراءتها من خلال كلّ ذلك قد تشكّل سمات للمرحلة المقبلة:

أولاً: إنّ الانتشار العسكري الروسي وبصرف النظر عن تأكيدات الرئيس بوتين أنّ الهدف هو دعم الحكومة السورية، وأنّ القوات الروسية لن تشترك في أية عمليات بريّة. إنّ هذا الانتشار لن يستطيع إعادة الوضع في سوريا إلى ما قبل آذار 2011 وإنّ جلّ ما يُمكن تثبيته هو المصالح الروسية على الساحل السوري ودعم قوات النظام حيث تدعو الحاجة.

ثانياً: إنّ الوجود الروسي في سوريا يشكّل جزءاً من تحالف إقليمي في كلّ من سوريا والعراق، سيجعل من روسيا لاعباً أساسياً في أي تسوية أو أية ترتيبات يُمكن أن تحصل في هذين البلدين، وأنّ ذلك لن يزعج الولايات المتحدّة الأميركية كونه لا يتعرض للمصالح الأميركية، التي أصبحت شبه محدودة في هذا الجزء من الشرق الأوسط، كما أنّه سيضمن حرية العمل للطيران الإسرائيلي في الأجواء السورية وفقاً لما صدر عن لقاء بوتين – نتنياهو.

ثالثاً: إنّ طموح الروس من خلال العمليات الجويّة هو في جعل الساحل السوري والشمال السوري بشكل عام منطقة خالية من تنظيم داعش، وبالتالي سيحظى هذا الإجراء بمباركة أوروبية كونه سيطمئن الأقليات في هذه المناطق إلى مستقبلها.

رابعاً: إنّ السيطرة الروسية على اللاذقية وطرطوس وربما على كامل الشمال السوري واقتصار العمليات الجويّة الروسية على ضرب داعش، سيلقى ترحيباً من الأطراف العربية التي تقف ضد بقاء الأسد في السلطة، كونها تطمئن للسيطرة الروسية أكثر من سيطرة النظام على تلك المناطق.

خامساً: إنّ روسيا مرشّحة لاحتواء كافة الأطراف التي تدعم نظام الأسد ومن ضمنها إيران، بمعنى أنّ روسيا ستكون الطرف المفاوض الرئيس، وهذا مما سيخفف من حدّة الصدام في المفاوضات بالنسبة للأطراف العربية أو الأوروبية التي سبق وأعلنت عن رفضها لأي دور للأسد في المفاوضات.

سادساً: إنّ المساحة المتبقيّة من الجغرافيا السورية، أي تلك التي لا يُسيطر عليها الجيش الروسي والجيش السوري والميليشيات الداعمة له، ستبقى مسرحاً  مفتوحاً لعمليات عسكرية بين الفصائل السنيّة المتطرفة والمعارضة المعتدلة ووحدات الجيش الحرّ وجيش الفتح.

أما لجهة تداعيات كلّ ذلك على لبنان، فيُمكن طرح التساؤلات التالية:

أولاً: هل يُمكن أن يُطلق الدور المُرتقب لروسيا في كلّ من سوريا والعراق العِنان لتوسيع دور إيران في لبنان؟

ثانياً: هل تكون الانتخابات الرئاسية اللبنانية هذه المرة نتيجة تسوية سعودية – روسية بدلاً من تسوية سعودية – سورية – إيرانية؟

ثالثاً: هل يُمكن في مكانٍ ما اعتبار ما يجري في سوريا بمثابة مُقدّمة لعصر روسي جديد في المنطقة تلعب فيه إيران دور الوكيل في كلّ من لبنان والعراق؟