IMLebanon

الإصلاح بالأعمال لا بالنيّات فقط

 

 

إنّ الأخذ بالمعادلة الاصلاحية الذهبية القاضية بإقران النيّات الاصلاحية بالعمل الاصلاحي، واعتمادها معياراً للتقييم في لبنان، يوقع محور المُمانعة، المُمانع لقيام دولة المؤسسات، في أزمةٍ كبيرة، كون افرقاء هذا المحور جدّيين جداً، بالنيّات حكماً وبالاعمال فعلاً، ولكن، بممانعة الاصلاح. فالاصلاح بالنسبة لهم هو الركيزة الاساسية التي يبني عليها الفريق النقيض لهم معركته ضدهم، فببناء الدولة الحقيقية العميقة القادرة تنكسر دويلتهم وتسقط كُلّياً، والأمثال يومية عن دلالات المعارك اليومية التي تصبّ بكاملها في ساحة الحرب الكبرى الدائرة حول الاصلاح والشفافية في العمل الرسمي وحول انتظام عمل مؤسسات الدولة من مالية وقضائية وأمنية ودستورية، والمثال الأخير «الفريش» الذي شهدته البلاد أخيراً بتطيير الانتخابات البلدية والاختيارية هو أفضل البراهين على تمسّك اصطفاف المُمانعة باستراتيجية اضعاف الدولة وضرب كل المحاولات الاصلاحية، لتكتمل أعمالهم مع نيّاتهم، وفي الوقت ذاته هو الدليل الواضح لتمسّك الاصطفاف المُعارض للمُمانعة بمشروع بناء الجمهورية الحقيقية بكامل ركائزها الاصلاحية والتي تؤدّي رويداً رويداً لإضعاف الدويلة.

 

يكمن في طيّات المعارك اليومية بغضّ النظر عن صغرها وعدم اعطاء الاعلام الوطني قيمةً لها، جانب من جوانب المواجهة الاساسية التي تجري في البلاد حالياً، بين منطق بناء الدولة ومنطق تدمير الدولة. والنقاشات الاصلاحية التي تجري خلال اجتماعات اللجان النيابية وبين الوفود الاممية المالية والمسؤولين اللبنانيين تتركّز على كيفية إقران الافعال الاصلاحية بالطروحات الاصلاحية، ولكنها وقعت في تناقضات جوهرية تُهدّد استمراريتها نتيجة رهانها على المنظومة ذاتها التي دمّرت البلاد وأدخلتها في آتون الفساد والهدر، وكأنّ المنظومة تابت واصطلحت أو أنّها تعتبر أن ممارستها للفساد في السابق كان مسموحاً وقد اصبح ممنوعاً حالياً؟ وهذا الرهان الخاطئ يعني ما يعنيه من هدرٍ للافكار وللطروحات وللوقت أيضاً، فالمنظومة التي تخلّت سابقاً عن المفاهيم الاصلاحية، غير الجاهلة لها، لن تستطيع أن تتحوّل الآن زرعاً جيداً لأنها أصلاً ليست ارضاً صالحة للزرع، فإنّ انتهاجها في السنوات الماضية مفهوم الدولة الراعية لزبائنيتها ولاتباعها، وعدم محاولتها يوماً الانتقال الفعلي لمفهوم الاقتصاد الانتاجي الاصلاحي الضامن للاستقرار السياسي والمالي والاداري يؤكّد عدم أهليتها لهذا المشروع الانقاذي.

 

وإنّ معظم المشاريع الاستثمارية التي استُقدمت في فترة ما بعد انتهاء الحرب الاهلية وهدفت لتأهيل البنية التحتية وتحضير البلد لاستقبال الشركات الدولية وتمكينه من أن يكون مكاناً آمناً تحلو الاقامة فيه، وساحةً جالبةً للاستثمارات وتدعيم فكرة دولة المؤسسات والمواطنية السليمة، لم يتمّ تنفيذها بشفافيةٍ كاملة ورقابة سليمة وادارة كفوءة، لأن المنظومة ذاتها بنظامها الامني الحاكم حينها للبنان إعتادت أن تعتاش على ذلك المشروع الاعماري.

 

إنّ ازمات لبنان لم تكن ابداً بسبب غياب القدرات العلمية والطموحات اللبنانية، فاللبناني أثبت قدراته في إعمار الكثير من الدول العربية والاوروبية والاميركية ايضاً وحتماً الآسيوية، ولكن السبب كان بعدم تمكّنه من ترجمة ابداعاته وطاقاته على ارض الآباء والاجداد، الا اسثنائياً بفتراتٍ مستقطعة من تاريخ هذا الوطن. الذي قضى على مشاريع التطوير دائماً كان المشاريع الايديولوجية الفاشلة التي غزت لبنان على موجاتٍ وحوّلته إلى منصّة لاسماع هديرها منها ونشازها للعالم البعيد. وبالعودة إلى فتراتٍ سابقة من تاريخ لبنان نشهد صوابية هذه المُقاربة، فهذا البلد الصغير استطاع قبل انفجار الحرب الاهلية وحروب الآخرين على أرضه أن يُحقّق الكثير من التقدّم الاقتصادي والمالي والعلمي، ولكن عندما حُرِّك السلاح الفلسطيني على أراضيه، تمّ استبدال النجاحات اللبنانية، التي تُمثّل الثقافة اللبنانية الاصيلة، بشخصياتٍ تحمل الهوية اللبنانية ولكنّها تنتمي لثقافات المافيا والابتزاز الاجرامي، وتتالت هذه العملية المُدمِّرة للبنان في زمن الاحتلال السوري بقمعٍ للحرّيات وبدفعٍ لمُحبّي السلطة من اللبنانيين الى الواجهة على حساب السياديين وعلى حساب الكرامات الوطنية.

 

طالعنا أخيراً خبير تحوير الحقائق، صاحب الخطاب الاستفزازي والالغائي، الشيخ نعيم قاسم، بفلسفة الدعوة إلى الحوار وإلى الشراكة بين اللبنانيين، متناسياً عن قصد وعن خبث بأنه هو من أطلق الصواريخ أخيراً من جنوب لبنان من دون أخذه بالاعتبار الحوار حول كيفية مواجهة قضايا الحدود الجنوبية والشمالية والشرقية ايضاً، ومن دون المشورة العسكرية مع الجيش الوطني اللبناني. وفي حين يتباهى الشيخ المذكور، من خلال قدراته الخطابية ( التي اعتبرتها في مقالاتٍ سابقة من أفضل الأمثلة لأسلوب التزوير وفرض الامر الواقع الخاطئ)، بنظريته الخاصة للحوار وبفرضيته المناقضة للشراكة، يرمي أمام اللبنانيين الكثير من العوائق لاعتماد نهج الاصلاح.

 

الاصلاح سيادة كاملة وفعلية وقرار استراتيجي، والاصلاح سيادة مؤسسات لا استثناء فيها، والاصلاح انتخابات في أوقاتها من دون فذلكات وحجج، والاصلاح مُحاسبة للرؤوس الكبيرة، ورقابة لكافة التلزيمات والتعهّدات، والاصلاح قضاء مستقلّ وأجهزة أمنية، فوق كلّ التبعية، والاصلاح حدود مضبوطة، وقضاء على المحسوبيات السياسية في ادارات الدولة، فعكس ذلك قضاء على المؤسسات. والاصلاح سياسة خارجية لخدمة مصلحة البلاد العليا، وانتاجية مشتركة وخدمات متوازنة، للمواطنين وليس للزبائنية والتبعية بكل أنواعها. فالإصلاح عملياً هو مشروع انقاذي للبنان من منظومة المُمانعة التي لا تحترم الدستور ولا القانون، وحتماً لا القضاء، ولا تحترم الرأي الآخر، والاصلاح بالطبع مشروع تحرير للبنان من محور الذلّ الذي أخذه مع شعبه رهينةً لحسابات مرجعيته في طهران.

 

الاصلاح مشروع سياسي، مناقض تماماً لمحور المُمانعة، بالنيّات وبالأعمال، مشروع سياسي يبدأ بانتخاب رئيس يلتزم عملياً بسياسات اصلاحية سياسية وادارية ومالية، أمّا أنصاف الحلول فتصبّ في خدمة أهداف محور المُمانعة، مع فارقٍ بالنسب بين رئيسٍ وآخر، مع التأكيد أنّ الاصلاح بالنيّات وبالاعمال وليس بالنظريات العلمية فقط ولا بالخطابات الجميلة ولا بالبدع وبالوعود. فمن يجرؤعلى ذلك، فهو القادر على أن يكون الرئيس المُنقذ، بالنيّات وبالاعمال.

 

(*) عضو تكتّل «الجمهورية القوية»