IMLebanon

لبنان ينفذ اتفاقيّة الزبداني ـ الفوعة بلا خرق سيادته

الأمم المتحدة تشيد بأداء الأمن العام

لبنان ينفذ اتفاقيّة الزبداني ـ الفوعة بلا خرق سيادته

ما أن انتهى تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاقيّة الزبداني ـ الفوعة وكفريا برعاية أمميّة، يوم الإثنين الماضي، حتى ارتفعت أصوات معارضة اعتبرت استخدام لبنان ممرا للمسلحين «مساً مباشراً بالسيادة الوطنيّة».

لم يكن مشهد مرور قوافل جرحى مسلحي الزبداني «سهلاً على الهضم» عند البعض لبنانيا خصوصا أننا أمام اتفاق بين السلطات السوريّة والفصائل المسلّحة ويتعلّق بإجلاء 126 مسلحاً جريحاً من الزبداني عبر لبنان نقلوا عبر مطاره إلى تركيا، مقابل نقل 337 شخصاً من جرحى الفوعة وكفريا، من تركيا إلى بيروت ومن ثم إلى دمشق.

غير أن من يسمع رواية الأمم المتحدة، يستطيع أن يتفهم الصمت الايجابي للمديريّة العامّة للأمن العام، خصوصا أن ما حصل نال الضوء الأخضر من رئاسة الحكومة ووزارة الداخليّة والأهم هو اشادة أكثر من مسؤول في الأمم المتحدة بالمعايير التي اعتمدتها السلطات اللبنانية وخصوصا الأمن العام، وهي تتجاوز في دقتها بعض معايير الدول المتقدمة.

وبين أصوات مرّحبة من هنا وأخرى معترضة من هناك، نفّذت السّلطات اللبنانيّة المسؤولة، المهمّة الموكلة إليها بأفضل الممكن مع مراعاةٍ للقوانين المرعيّة الإجراء، برعاية كاملة من أعلى هيئة دولية، أي الأمم المتحدة حيث كان مكتب الأمين العام يشرف على تفاصيل العملية.

وأفضل الممكن يعني حرص لبنان على متابعة التفاصيل الدقيقة للمرحلة الثانية خلال الاجتماعات التي عقدت في مقر قيادة الأمن العام بين المسؤولين اللبنانيين من جهة والمندوب التّركي وممثلي الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر والصليب الأحمر اللبناني من جهة ثانية.

في المرحلة الأولى التي نفذت في أيلول الماضي، ربما كان خافيا على البعض من اللبنانيين، أن من تولى رعاية المفاوضات بين المجموعات المسلحة والنظام السوري هو مكتب الأمم المتحدة في دمشق. لعبت بعض الدول أدوارا وخصوصا تركيا وايران بالاضافة الى «حزب الله» من أجل اعطاء قوة دفع للمفاوضات وتسهيل تبادل المطالب بين الطرفين، لكن الأمم المتحدة كانت منذ اللحظة الأولى الجهة الأولى المعنية بالتنفيذ، خصوصا وأن هذه العملية تندرج في سياق المصالحات المحلية التي لطالما ركز عليها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا.

وبطبيعة الحال ليست المرة الأولى التي ترعى المنظمة الدولية عمليات انسانية في معظم قارات العالم منذ نشوئها حتى الآن، وليست المرة الأولى التي تطلب مساندة الدول الأعضاء في مفاوضات أو في سياق تنفيذها وثمة عشرات النماذج منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن.

في هذا السياق، طلبت الأمم المتحدة من الحكومة اللبنانية تقديم المساعدة اللازمة لتأمين معبر آمن لانتقال جرحى مسلحين من الزبداني الى تركيا وجرحى من الفوعة وكفريا الى سوريا، عبر البر والجو لبنانيا، غير أن الجانب اللبناني اشترط أن يستقبل هؤلاء بصفتهم نازحين جرحى أولا وأن لا يكون بحوزتهم شيء يدلل على غير هويتهم المدنية احتراما للسيادة الوطنية اللبنانية، فضلا عن اشتراط اجراء كل المعاملات التي يتم اعتمادها عند الحدود البرية والجوية.

استدعى التشدد من جانب الأمن العام اللبناني الذي يستعد للحصول على شهادة «الأيزو» عالميا بالنسبة للاجراءات الحدودية والمعاملات الادارية، أن تعيد الأمم المتحدة النظر في أكثر من نقطة في مسار هذه العملية المعقدة والدقيقة، وعقدت عشرات الاجتماعات لهذه الغاية وصولا الى تحديد «ساعة الصفر»..

وصلت إلى المسؤولين لائحة بأسماء المنوي إجلاؤهم من الزبداني، وبرفقة كلّ جريح واحد أو أكثر من أفراد عائلته (123 اسما)، ثمّ أضيفت إليهم لائحة تضمّ عددا من الأشخاص الذين كانوا يعالجون في احد المستشفيات في الشمال اللبناني على نفقة الأمم المتحدة وبحصانتها.

كان على لبنان خلال الاجتماعات الدوريّة التي حصلت داخل المديريّة العامّة للأمن العام أن يضع كلّ الاحتمالات في الحسبان: ماذا لو مات أحد الجرحى خلال نقله من سوريا الى مطار بيروت؟ هل سيحمل لبنان مسؤولية الاجهاز على الاتفاق وكيف سيكون التعاطي بعد دخول هؤلاء الى الأراضي اللبنانية؟

حاول الوسطاء وخصوصا ممثلة الأمم المتحدة السيدة خولة مطر (من البحرين) الإجابة عن كلّ الأسئلة – الهواجس اللبنانية. فيما كان لبنان صارماً بمنع الفصائل المسلّحة من التدخّل بخريطة الطريق التي ستمرّ عبرها «قافلة الزبداني» بعد أن وضع هؤلاء شروطهم بعدم مرورها في بعض المناطق: في لبنان الأمر لنا ومسؤوليتنا تأمين الممرّ الآمن.. فمرور القافلة من الضاحية أو خارجها لا يعنيكم.

هكذا دخل المسؤولون عن تنفيذ عمليّة التسلّم والتسليم إلى نقطة قريبة من المصنع اللبناني من جهة سوريا وبرفقتهم عدد من مندوبي الأمم المتّحدة والصليب الأحمر الدولي وأشرفوا من هناك على كل تفاصيل العملية بحضور مندوبين ميدانيين للأمم المتحدة في الزبداني والفوعة وكفريا.

الأمن اللبنانيّ كان أيضاً حازماً بأمر الإجراءات التفتيشيّة قبل صعود أي شخص إلى الحافلات برغم علمه أن الكلمة الأولى والنهائيّة ليست له بشكلٍ كليّ، وإنّما هي للأمم المتّحدة.

ومع ذلك، صادر المعنيّون كلّ ما هو ذو «وجه مسلّح»: المقصّ الذي كان بحوزة أحدهم ضبط قبل المرور داخل الأراضي اللبنانيّة، السكين أيضاً. ومن كان يحمل بزّة عسكريّة خُيِّر بين الاحتفاظ بها والبقاء داخل سوريا أو التخلّي عنها لكي يسمح للحافلة بأن تدخل لبنان.

حتى أن الأمم المتحدة كانت تريد التساهل في بعض المحطات من أجل ضمان تسريع الاجراءات الميدانية لكن الأمن العام اللبناني أصر على عدم خرق السيادة اللبنانية من جهة أو الارادة اللبنانية من جهة ثانية.

على هذا الأساس، تمّ إدخال «مقاتلين سابقين» جرحى بصفتهم المدنية كنازحين عبر نقطة المصنع، وتحديدا عبر نقطة استحدثت قبل الحدود من أجل الحيلولة دون أي خرق أمني يؤدي الى حصول ارتدادات على الأرض اللبنانية.

وفي الوقت المحدّد للتبادل، كاد الاتفاق أن يصبح حبراً على ورق، عندما علم الجانب اللبنانيّ أنّ أحد قادة «أحرار الشّام» يشترط بأن يتمّ إدخال القوافل الأربعة أولاً إلى المصنع ثم تتقدّم القافلة المقابلة إلى الحدود السوريّة ـ التركيّة لإدخال الآتين من الفوعة وكفريا.

حاول المندوبون الأمميون التدخّل، خصوصاً أن بعض الأشخاص داخل القوافل المتوقفة عند الحدود اللبنانيّة ـ السوريّة كانوا يتواصلون مع قادة الفصائل لإعلامهم بأماكن تواجدهم، وما إذا كانوا قد دخلوا لبنان أم ما زالوا داخل الأراضي السوريّة.

حينها، رفع المسؤولون اللبنانيون الصوت رافضين إتمام العمليّة ومعلنين الانسحاب. فما كان من قادة «أحرار الشّام» إلّا التراجع عن شروطهم والعودة إلى البنود المتّفق عليها.

كلّ هذه التفاصيل التي كان يتابعها رئيس الحكومة ووزير الداخلية والمدير العام للأمن العام، أدت الى تأخير إنجاز الاتفاق الذي كان من المفترض أن ينتهي حوالي الساعة الرابعة من بعد ظهر الإثنين، ولكن ما زاد الطين بلة هو أداء السّلطات التركيّة التي بدت بالمقارنة مع أداء السلطات اللبنانية أقل تشددا فضلا عن عدم اعتمادها معايير موحدة بالنسبة لاستقبال الآتين من الفوعة وكفريا، لا بل بدا أن المجموعات المسلحة أعطت موافقتها في اللحظات الأخيرة على دخول بعض الأشخاص الى الأراضي التركية (من الفوعة وكفريا) من دون علم السلطات التركية!

كلّ هذه الإجراءات أخّرت عمليّة التبادل حوالي العشر ساعات، بقي فيها المسؤولون الأمنيون اللبنانيون يتنقّلون بين الحدود الشرقية و «مطار رفيق الحريري الدولي» للتأكّد من كل مراحل العمليّة وآخرها وصول الطائرة التي تقلّ أهالي بلدتي الفوعة وكفريا وإخضاعهم للتفتيش والتدقيق بأوراقهم قبل السماح لهم بالانتقال الى الأراضي السورية.

وإذا كان أفضل الممكن قد تحقّق بعد أن نجح لبنان في الأمور اللوجستيّة التي أوكلت إليه مع مراعاته الشديدة للتقيّد بالقوانين المرعيّة وحفظ السيادة الوطنيّة، إلا أنّ أمر لافتات الترحيب بالمسلحين في مجدل عنجر ثمّ رشقهم بالأحذية على طريق المطار، لم تكن في الحسبان، بل في معرض الفعل وردة الفعل، حتى أن الأمم المتحدة أخذت على عاتقها دفع بدل تركيب زجاج لاحدى الحافلات بعد أن كسر بحجارة محتجين على أوتوستراد المطار، وهي مسالة أدرجت في خانة ردة الفعل على فعل الترحيب في مجدل عنجر على حد تعبير مسؤول أمني لبناني.