IMLebanon

لبنان ليس حلاً للمأزق الإيراني

يبدو العد التنازلي نحو بدء المفاوضات في جنيف بين المعارضة السورية والنظام، بموجب القرار الدولي 2254، وكأنّه يفرض مساراً حرجاً من الأحداث في الروزنامة الإيرانية. الهجوم على المقرّات الدبلوماسية السعودية في كلّ من طهران ومشهد هو جزء من هذا المسار. إيران تبدو مطوّقة، الميدان السوري لا يتّسع لتقديم جوائز ترضية للطموحات الإقليمية وفي مقدّمها الأطماع الإيرانية في ظل الشراهة الروسية. الساحل السوري لا يحتمل شريكاً، أصبح جزءاً من «الأوقاف الروسية» لأسباب جيوسياسية ونفطية، دمشق ومحيطها التي يسعى النظام، مستنداً إلى الضربات الجوية الروسية والمفاوضات مع كافة الفصائل الإرهابية منها والمعتدلة على حد سواء، لتحويلها إلى مناطق هادئة أو خاضعة لسيطرته، هي ورقة قوتّه على طاولة المفاوضات، هي كذلك لا تحتمل شريكاً. الميدان اليمني ذاهب إلى تثبيت العملية السياسية مع أحكام السيطرة البحرية والجوية على الأجواء والموانئ اليمنية من قِبل قوى التحالف العربي.

روسيا الحليف لإيران «حتى إشعار آخر» والتي تقدّم نفسها كدولة مواجهة للتطرف، لن تستطيع الذهاب أكثر فأكثر في رعاية «المشروع الراديكالي الشيعي». إنّ استثارة العالم الإسلامي بغالبيته السنيّة قد ترتب نتائج سلبية على علاقاتها الإقليمية وأمنها الداخلي. روسيا في الوقت عينه تبدي أعلى درجات الحرص لتثبيت الوضع العربي – الإسرائيلي القائم، وتهدئة المخاوف الإسرائيلية. الموفد الروسي الخاص إلى سوريا «ألكسندر لافرانتيف» زار إسرائيل بطريقة سريّة في الرابع والعشرين من الشهر المنصرم، على رأس وفد ضمّ «سيرغي فيرشينين»، رئيس قسم الشرق الأوسط في الخارجية الروسية وممثّلين عن الإستخبارات واستُقبل من قِبل مستشار الأمن القومي الإسرائيلي «يوسي كوهين»، الذي سيستلم مهمامه كرئيس للموساد خلال أسابيع قليلة. وسائل الإعلام أبرزت أنّ كوهين والمسؤولين الإسرائيليين عرضوا المصالح الإسرائيلية للوفد الروسي، وتركّزت النقاط الأساسية على كيفية ضبط الهجمات عبر الحدود السورية، وكيفية منع وصول الأسلحة إلى حزب الله في لبنان عبر سوريا، وأنّ أي اتفاق دبلوماسي ستتمّ صياغته من قِبل القوى الدولية حول سوريا يجب أن يلزمها بوقف استخدام أراضيها لشن هجمات مباشرة أو غير مباشرة على إسرائيل. زيارة لافرانتيف إلى إسرائيل كانت جزءاً من زيارات خاطفة متلاحقة لخمس عواصم إقليمية، لعرض الرؤيا الروسية بشأن الاتفاق الدبلوماسي حول سوريا، ابتدأت في بغداد بلقاء مع مستشار الأمن القومي العراقي «فالح الفياض»، ثم عمان قَبْل إسرائيل، ليتابع بعدها الوفد زيارته إلى مصر ويعقد لقاءً مع الرئيس السيسي وإلى أبو ظبي لمقابلة المسؤولين في دولة الإمارات. ويُقال إنّ الزيارة لم تشمل المملكة العربية السعودية بسبب اغتيال زهران علوش (قائد جيش الإسلام والذي كان قد شارك في اجتماعات المعارضة في الرياض) بغارة جويّة روسية. الموفد الروسي لم يزر طهران ولم يزر بيروت أيضاً.

مسار العمليات العسكرية في العراق شهد إقصاءً كبيراً لدور الحشد الشعبي لصالح الحشد العشائري، الذي كان له دوراً طليعياً في تحرير الرمادي. كما أنّ القيود التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية على التحويلات المالية والحسابات المصرفية لعدد من المسؤولين في الحرس الثوري الإيراني، وأفراد ومؤسسات يتهمها الأميركيون بتمويل نشاطات لحزب الله كان لها أثر سلبي كبير تمّ التعبير عنه في عدد من الإجراءات. إزاء كلّ ما ذلك يمكن القول أنّ لبنان، باستحقاقاته الدستورية والأمنية، قد تحوّل حتى إشعار آخر إلى ورقة إقليمية بالتصرف الإيراني، وهذا ما ظهر جليّاً في موقف حزب الله من الاستحقاق الرئاسي تحت عنوان التمسّك بترشيح العماد ميشال عون.

إنّ القول بتفعيل السلطة التنفيذية كبديل لتعذّر إجراء الانتخابات الرئاسية لن يقدّم أي جديد، فالمؤسسات السياسية في لبنان لا تتمتع سوى بقدر قليل من السلطة وبقدر أقل من السيادة، ولأجل هذا وبكل بساطة فإنّ الحكومات لا تحكم في معظم الحالات. إنّ احتمال قيام اجتماع سياسي ناجح في لبنان يتضاءل كلما تقاعس اللبنانيون عن إقامة مؤسسات سياسية ذات كيان مستقل عن القوى السياسية التي أنشأتها.

هل تستطيع الجماعات السياسية في لبنان استعادة الاستحقاقات اللبنانية الدستورية منها والأمنية من الأولياء الإقليميين، خاصة أنّ لبنان بمقوماته الاقتصادية والديموغرافية والجغرافية المحدودة لا يغني عن خسارة ولا يفرض أي ثقل في ميزان القوى الإقليمية؟

وهل تُدرك الجماعات السياسية في لبنان، التي لا ترى الواحدة منها في الأخرى إلا عدّواً رئيساً، إنّ تشكيل متّحد سياسي هو تعبير سلوكي عن الإجماع الأخلاقي والمصلحة المشتركة، وإنّ الارتقاء المؤسساتي بهذا المتّحد يرتبط بالنجاح في تجاوز مشكلة انتقال السلطة سلمياً، واستبدال مجموعة من القادة بمجموعة أخرى؟