IMLebanon

من لبنان «يمون» إلى لبنان «يخون»!

القرار السعودي الخاص بلبنان كان بمثابة الصدمة السياسية في الأوساط اللبنانية٬ وأعني تحديًدا قرار السعودية بمراجعة العلاقات مع لبنان٬ والمتعلقة تحديًدا بتوقيف المساعدات المالية المتعلقة بتجهيز الجيش وقوى الأمن.

ولقد جاء القرار السعودي بعد رحلة طويلة من الصبر وكظم الغيظ وضبط النفس وحسن الظن٬ كما جاء بعد المواقف اللبنانية المختلفة «المؤيدة» للتدخلات الإيرانية في الشؤون العربية وامتناعه عن التصويت مع كل الدول العربية بالتنديد ضد المواقف الإيرانية المختلفة في هذه المسألة.

والجدير بالذكر أن لبنان كان البلد الوحيد الذي امتنع واعترض على المواقف العربية المجمعة في الموقف ضد إيران٬ مما يؤكد وقوع هذا البلد في براثن القبضة والاحتلال الإيراني.

الحديث عن المواقف السياسية المختلفة للسعودية بحق لبنان لن تسعه سطور هذا المقال المحدد٬ بل إن حالة السلم الحالية التي عليها لبنان نفسه هو نتاج اتفاق الطائف التاريخي الذي كان بإشراف سعودي كامل٬ أدى إلى إيقاف نزف الدم والقتال الأهلي المخيف الذي قضى على لبنان بشكل غير مسبوق. ومع ذلك وعبر السنوات كان هناك خط «مسموح» به في البلاد بمعاداة السعودية والتشكيك في سياساتها بشكل عدواني فج. ومع مرور الأيام كان لا يمكن أن تفسر هذه المواقف اللبنانية بشتى أنواعها إلا بشكل سلبي وعدائي٬ وعلى الضفة الأخرى كان هناك في السعودية غضب واضح في الرأي العام الشعبي ضد هذه المواقف اللبنانية العدائية٬ وبدأت أصوات لافتة في الارتفاع تطالب بقطع العلاقات الدبلوماسية والمقاطعة الاقتصادية الكاملة والامتناع عن زيارة لبنان٬ وزادت هذه المطالبات مع عدم اكتراث واضح من الجهات السياسية اللبنانية في وضع حد لهذه التداعيات في العلاقة المهمة مع السعودية.

السعودية تعد ما حدث من مواقف «لبنانية» بحقها بمثابة خيانة وخنجر غدر٬ وخصوًصا في ظل سجل حافل من التصدي لكل أوجه الاعتداءات التي حصلت على لبنان من قبل «أعداء» مختلفين كانت السعودية دوًما ما تتصدى لأن تكون خط دفاع أولًيا عن استقلال لبنان وسلامته٬ وأن يكون لبنان سعيًدا حًرا مستقلاً مالًكا لقراره وحده. لبنان كان له مكانة مميزة وخصوًصا في وجدان السياسة السعودية وفي قلوب السعوديين٬ ولكن هذا من الماضي وسيترّبى جيل بأكمله٬ يشكك ويقلق من نيات ومن أفعال لبنان «الجديد»٬ وهي خسارة معنوية واقتصادية وسياسية سيعي أبعادها لبنان واللبنانيون عما قريب.

لبنان الذي كان «يمون» من السعودية بسبب إرث جميل من التاريخ والعلاقات المميزة بات في أذهان كثير من السعوديين لبنان الذي «يخون» الأمانة ويغدر بالصديق٬ وبالتالي استحق ما وصلت إليه الأمور. الغريب أن هناك تعاملاً من بعض اللبنانيين مع هذه الواقعة بذهول واستغراب٬ ولكنها قد تكون مكالمة إيقاظ آن أوانها ليستفيقوا وليدركوا أن حتى السعودية لديها صبر ينفد.