IMLebanon

خسائر لبنان جراء الأزمة الروسية أكبر مما يظنّ البعض

هل تؤثر الأزمة الاقتصادية في روسيا على الوضع في لبنان؟ وهل من انعكاسات مباشرة على الوضع الداخلي خصوصا ان ما يجري في بلاد القياصرة يبدو أقرب الى الانهيار منه الى مجرد مشكلة عابرة؟ في الاجابة على التساؤلات، يتضح ان التداعيات موجودة، وهي تشمل الزراعة والصناعة وقطاع النفط، على رغم انه قطاع لم ير النور بعد في لبنان.

لا تزال مسألة تراجع اسعار النفط المستمرة منذ أشهر، مثار جدل في شأن اسبابها. وفيما يصرّ البعض على الخلفية الاقتصادية المرتبطة بزيادة الانتاج لدى دول من خارج «اوبك»، وتراجع الطلب بسبب الركود في اوروبا وآسيا، يؤكد آخرون على نظرية المؤامرة والتي تقف وراءها بشكل خاص الولايات المتحدة الاميركية. وقد تبنّى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين علناً نظرية وجود مؤامرة أميركية-سعودية لإضعاف بلاده.

في الحالتين، أي وجود ازمة اقتصادية عالمية او في حال المؤامرة السياسية، هناك نتيجتان ثابتتان لهذا الواقع:

اولا- ان اسعار النفط والمشتقات النفطية المرتبطة به، ومن ضمنها الغاز، لن ترتفع في المدى المنظور، بل انها قد تشهد المزيد من التراجّع في الايام المقبلة.

ثانيا – ان الأزمة الروسية سوف تمتد بدورها لمدة طويلة، وهي مرشحة للتفاقم اكثر ما دام النفط يشكل حوالي 8 في المئة من الناتج المحلي الروسي، في حين انه لا يشكل اكثر من 1.5 في المئة من الناتج المحلي الأميركي. هاتان الثابتتان تقودان الى خسارتين سوف يتعرّض لهما الاقتصاد اللبناني.

الخسارة الاولى تتعلق بسقوط الرهانات على الافادة من الوضع القائم، لجهة وقف روسيا الاستيراد من اوروبا، وامكانية استغلال الوضع لتصديرالبضائع اللبنانية الى السوق الروسي. (manque à gagner).

الخسارة الثانية، وهي الأهم والأخطر، ترتبط بفقدان الاقتصاد اللبناني أي أمل واقعي في الافادة من ثروته النفطية والغازية.

في الخسارة النفطية، لا يتعلق الامر بتراجع الاسعار فحسب، بل يرتبط كذلك بالخطط الاقليمية التي ظهرت أخيرا على مستوى التعاون اليوناني-القبرصي-الاسرائيلي.

في هذا المجال، يبدو المخطط الثلاثي الابعاد، والذي تقف وراءه ربما دول اخرى من وراء الستارة، والذي ينصّ على انشاء خط انابيب من حوض المتوسط في اتجاه اوروبا، لتصدير الغاز الى القارة العجوز، سيقضي عملياً على الطموحات اللبنانية باستخراج الثروة الغازية من اعماق البحر.

ويبدو ان المفاوضات بين الـTrio الجديد والاتحاد الاوروبي تمضي على قدم وساق بدليل ان الاتحاد الأوروبي وضع لائحة في مشروعات ذات أولوية في مجال تأمين الطاقة بين بلدان الاتحاد، وتضم اللائحة امكانية انشاء بنية تحتية ضرورية لشحن الغاز من شرق البحر المتوسط.

وتتركّز الجهود الاوروبية حاليا على ايجاد مصادر جديدة لاستيراد الغاز، بناء على ضغوطات اميركية لتخفيف الاعتماد على صادرات الغاز الروسي. هذه الضغوطات ساهمت في ايقاف المشروع الروسي لانشاء خط انابيب «ساوث ستريم» الذي كان يُفترض أن يمرّ في بلغاريا لتصدير المزيد من الغاز الروسي الى البلدان الاوروبية.

واعتبرت المفوضية الأوروبية المشروع الروسي بمثابة محاولة من سيد الكرملين لاستخدامه لفرض المزيد من الضغوط عليها، والتحكّم والتأثير في سياسات أوروبا الإقليمية والدولية، عبر تحويل إمدادات الغاز الروسي الى دولها كسلاح، خصوصا انها تستورد ما يصل الى اكثر من 40% منه لتغطية احتياجاتها السنوية.

ينصّ المشروع المقترح في خطوطه العريضة على انشاء أنبوب ينطلق من إسرائيل، ويصل الى قبرص واليونان، ومن هناك الى ايطاليا ، ومنها الى باقي دول اوروبا. والمُلفت ان الاقتراح الثلاثي ينصّ على ان يتولّى الاتحاد الاوروبي تمويل المشروع بقيمة تتجاوز ستة مليارات دولار.

من خلال فرضية ان المشروع المُقترح يمكن أن يرى النور، بعد التأكّد من جدواه الاقتصادية والسياسية، يكون لبنان قد دخل النفق المظلم بالنسبة الى امكانية استخراج النفط والغاز.

هذا المشروع سيؤدّي حُكماً الى عدم تجاوب قبرص مع المساعي اللبنانية لاعادة ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية البحرية، وبالتالي، فان الخلاف الحدودي البحري مع اسرائيل لن يكون قابلاً للحل. ثانيا، سوف يفقد الغاز اللبناني جدواه الاقتصادية بسبب تعذّر تصديره منفردا الى الخارج. وبالتالي، لن تكون هناك عروض مُجدية من قبل شركات عالمية للمشاركة في استخراج الغاز اللبناني.

بالاضافة الى ذلك، تساهم اسعار المشتقات النفطية المتراجعة عالميا بنسب مرتفعة جدا، في إفقاد لبنان فرص استخراج الغاز والنفط. وفي هذا السياق، هناك توجّه عالمي لدى المستثمرين للتقليل من الاستثمار في مشاريع نفطية جديدة. وحتى في الولايات المتحدة الاميركية هناك تراجع كبير في هذا المنحى. وقد توقعت وكالة «فيتش» العالمية أن تظل أسعار الغاز الطبيعي منخفضة خلال السنوات القليلة المقبلة.

وحذّرت من مخاطر الاستثمار في قطاع الغاز السائل في هذه الحقبة، والمرتبطة بهذه الرهانات الطويلة الأجل والمكلفة مالياً. من هنا، يبدو أن «الصحوة» النفطية اللبنانية، والتي تمثلت بشعار الى النفط دُر، قد جاءت متأخرة، وقد سبق السيف العزل، ولم تعد الحماسة التي نشأت جراء توافّق طرفين سياسيين على هذا الملف مُجدية.

بل ان البعض يرى ان هذا التوافق ما كان ليتم لولا ان الطرفين فقدا الأمل فعليا في استخراج النفط، وأدركا ان خلافاتهما السابقة حول هذا الملف، لم تعد ذي قيمة اليوم، فاستبدلا الخلاف بتفاهّم لم يعُد يُقدّم أو يؤخّر. في الخلاصة، سوف يخرج لبنان، الذي حاول الافادة من الأزمة الروسية، خاسرا بامتياز، بصرف النظر عمّا اذا كانت أزمة أسعار النفط طبيعية تتحكّم بها ظروف السوق، ام مُفتعلة تتحكّم بها قرارات الإخضاع.