IMLebanon

لبنان على طاولة البابا.. ولا كلام رئاسياً

لا تنظر حاضرة الفاتيكان إلى المشهد اللبناني بصفته معزولاً عن المشهد الإقليمي. خلف الحدود، يحصل ما لم يكن في حسبان أحد. تهجير قسري للمسيحيين تحت تهديد الصواريخ والسيوف يقلق بال كبار المسؤولين في الكنيسة الكاثوليكية ويهزّ وجدانهم.

الأرض التي وطأت عليها قدما السيد المسيح تفرغ من أهلها. لا خطة عملانية يمكن الركون إليها لإعادة هؤلاء إلى مطارحهم. يمكن لنيران «التحالف الدولي» أن تأكل أخضر «داعش» ويابسها، لكنها ليست بالتأكيد قادرة على إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء.

الأخطر من ذلك أن الدول الأوروبية تفتح أبوابها للهجرة المسيحية، وحتى الآن تبقى ردود الفعل على ارتكابات المجموعات الإرهابية في العراق وسوريا ولبنان، أقل مما يتوقع الكرسي الرسولي في روما، يقول العائدون من هناك.

بهذا المعنى يصبح لبنان، وتحديداً رئاسته المارونية، واحة في صحراء التهجير الحاصل. يُنظر إليه على أنّه آخر القلاع المسيحية في المشرق، ومن الواجب حمايتها وصيانتها. مع ذلك، تحاول الدوائر الفاتيكانية مقاربة الاستحقاق الرئاسي بعمومياته وصار ممثلها في لبنان يفضل مناقشة الأمر مع كل المسؤولين اللبنانيين إلا القيادات المارونية نفسها.

لا يعني ذلك اهمالاً من جانب السلطة البابوية التي يلعب سفيرها في لبنان غابريال كاتشيا دوراً بارزاً في هذا الشأن، وإنما لتأكيد الحرص على المضي في رسم مسافة مع كل المرشحين وبالتالي الحفاظ على توازن «الجوهرجي» في التعاطي مع هذا الملف وذلك من باب عدم تغليب مرشح على آخر.

وبدا جلياً أن الحاضرة الفاتيكانية سيّجت مكاتبها بسور حديدي يمنع على من يصنفون أنفسهم من ذوي «القماشة الرئاسية» فتح أبوابها بسهولة، كي لا يُفهم من أي فريق معني بالانتخابات، سواء كان محلياً أو خارجياً، على أنّه تفضيل من جانب الكرسي البابوي لهذا المرشح على حساب ذاك. وقد لعب السفير البابوي دورا في هذا الاتجاه اذ أنه أوصى رؤساءه بضرورة اعتماد هذه الاستراتيجية حفاظاً على علاقة «الكنيسة الأم» بأبنائها الموارنة في لبنان.

هكذا لم يُمنح العماد ميشال عون بطاقة دعوة إلى المكتب البابوي مع أنه حاول زيارة الحبر المقدس والاجتماع به، كي لا تفسر الزيارة على أنّها «مباركة» من صاحب الجبة البيضاء. كما لم يتسن للرئيس ميشال سليمان، حين كان ما يزال سيدا لقصر بعبدا وطامحا للتمديد، أن يجالس البابا فرنسيس، مع أنّه حاول ذلك، وتكرر الامر مع غيرهما من مرتدي «بزة الرئاسة» الذين يجسون مراراً وتكراراً نبض المسؤولين الفاتيكانيين، ولا يأتيهم الرد الذي يشتهونه.

إلا أنّ ذلك، لا يجعل الطامحين وخصوصا من «الفئة الثانية» يصابون باليأس، فيحاولون مدّ الجسور مع أركان السفارة البابوية في بيروت، بمعية بعض الرهبان الموارنة لتحسين العلاقة وتعبيد الطريق..

هذا الأداء الفاتيكاني الإنكفائي لا يعكس استخفافاً من جانب الكرسي البابوية. على العكس، فإنّ الحبر الأعظم يولي أهمية خاصة للملف اللبناني، نظراً لخطورة الوضع في المنطقة، حيث يمكن أن يكون لبنان ملاذاً آمناً للنازحين المسيحيين الهاربين من نار الإرهاب. ولهذا تحاول الدوائر الفاتيكانية التنسيق مع الرهبانيات المارونية والمؤسسات الاجتماعية لمساعدة الهاربين من نيران «داعش» وسيوفها.

ويعتقد مسؤولون فاتيكانيون أنّ الحاجة صارت ملحة لرئيس ماروني قادر على إقامة توازن حقيقي على مستوى العلاقات بين أركان السلطة اللبنانية، وخصوصا مع رئيس حكومة ممثل لطائفته ورئيس مجلس نواب يتمتع بالصفة نفسها، وذلك لإرساء الإســتقرار السياسي والحفاظ على ما تبقى من وجود مسيحي في لبنان، نظراً لرمزيته المعنوية في المنطقة.

من هذا الباب، حضر الملف اللبناني على طاولة الاجتماع السنوي الذي عقده رأس الكنيسة مع «رسله» في العالم، وبينهم السفير كاتشيا الموجود في روما منذ الثاني من الشهر الحالي للمشاركة في اجتماع إلى جانب سفراء الفاتيكان لدى الأردن والعراق وايران وسوريا وتركيا واسرائيل والسلطة الفلسطينية بالإضافة الى ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي حيث خصص لمناقشة قضية «تنظيم الدولة الاسلامية».

ويحضر الملف اللبناني في سينودس الاساقفة الذي سيبقى منعقدا حتى التاسع عشر من تشرين الحالي في الفاتيكان برئاسة البابا فرنسيس وبحضور ما يزيد عن 250 شخصا، علما أن المحور الأساس للاجتماع هو قضية العائلة والتحديات التي تواجهها في اطار التبشير بالانجيل، حيث ستكون هناك مداخلة للبطريرك الراعي تتناول أوضاع المسيحيين في المنطقة، فضلا عن عقد مروحة كبيرة من اللقاءات مع المسؤولين الفاتيكانيين ومع الوفود المشاركة في السينودس.

ويقول أحد العائدين من روما أن الكرسي الرسولي كان متحفظا على «مؤتمر واشنطن لدعم مسيحيي الشرق» وجاءت الوقائع لاحقا لتؤكد وجهة نظره.