IMLebanon

لودريان راجع و”حزب الله مش فاضي”

 

يعود الموفد الفرنسي جان- إيف لودريان إلى لبنان هذا الشهر، ولكن في ظل أجواء تختلف عن تلك التي رافقت زيارته الإستطلاعية الأولى. ومكمن الاختلاف هذه المرة أنّ «حزب الله» قرر الانشغال بقضية تفوق بكثير الشؤون اللبنانية الداخلية، والتي يستطيع إلى حلِّها سبيلاً ببعض الجراحات الموضعية عندما يتسنى له الوقت، ربما.

 

لذا قد يشعر لودريان بأنّ جولته اللبنانية الثانية، قد تتحوَّل إلى لزوم ما لا يلزم، لأنّ العنصر الأساسي والمؤثر في أي حوار «مش فاضي»، وتحديات المرحلة تتجاوز بكثير التوافق على رئيس للجمهورية أو ملء شغور حاكمية مصرف لبنان، والأولوية تحتلها مسألة مصيرية تبرر جدوى وجوده وسلاحه ومصادرته السيادة اللبنانية، وتتعلق بصراعه مع إسرائيل.

 

لذا نصب «حزب الله» خيمته، وفتح الباب لمرحلة جديدة من شأنها أن تزيح الأزمات الداخلية إلى المرتبة الثانية، وتقلب المعادلات الراهنة رأساً على عقب.

 

أكثر من ذلك، بدأ يستدرج العروض لترسيم الحدود البرية. وكما في ترسيم الحدود البحرية باشرت الولايات المتحدة بتولي الوساطة لإجراء المفاوضات بين «الحزب» والعدو الصهيوني، الذي لم يقف مكتوف الأيدي وسارع إلى ضم مساحات واسعة من قرية الغجر وثبَّت سياجاً جديداً حول كامل الجزء الشمالي اللبناني من البلدة، بغية الإمساك بأوراق إضافية تعزز موقعه.

 

وللتذكير، فإنّ الدولة اللبنانية، التي يسعى لودريان لانتشالها من الفراغ، تعمل لدى «الحزب» وتلتحق به في هذا الملف… وفي غيره. وبناء على هذا الواقع، أبلغ وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب، المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا، بأنّ بلاده «ستتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي»، تهدف إلى «انسحاب إسرائيل من الجزء الشمالي لمنطقة الغجر التي تحتلها، وتطبيق القرار الدولي 1701». وطلب «المساعدة لمعالجة هذا الخرق الذي يُضاف للخروقات اليومية العديدة والمستمرة، التي تهدد الاستقرار والهدوء في جنوب لبنان والمنطقة».

 

وبهذا يكون معاليه قد أدى وظيفته في تطبيق السيادة الاستنسابية للدولة المسلوب قرارها. أمّا العمل الجدي الذي يؤتي نتائجه على الأرض فيبقى مع «الحزب»، بوصفه الحاكم بالأمر اللبناني وفق موازين القوى حتى إشعار آخر.

 

ومن لا يصدق، لا بأس بإحالته إلى التصريحات الأخيرة للشيخ الدكتور صادق النابلسي، الذي يضع خريطة طريق «مباركة» ليوصل الرسائل، التي تفعل فعلها وتعكس الاستراتيجية والتكتيك وعصارة الأفكار البناءة لـ»الحزب»، الذي يتبرأ من إعلان الشيخ الدكتور عن رغبة فريقه بتغيير «موازين القوى الجامدة والقاتلة في الداخل اللبناني»، لأنّه من الأصدقاء وليس من الحزبيين الملتزمين.

 

تلك هي التطورات التي يفترض أن يأخذها لودريان في الحسبان وهو يجمع المتخاصمين حول طاولة حوار، لا جدوى منها على الرغم من رفض قوى لا يستهان بها لإملاءات «حزب الله» لجهة «تعيين» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، لا يطعن «المقاومة» في ظهرها، وتحديداً عندما تتطلب أجندتها وأجندة مشغلها الإيراني تحريك ملف التفاوض النووي بين إيران والولايات المتحدة، أو إذا شكلت مسألة ترسيم الحدود ورقة من أوراق هذا التفاوض.

 

ما يعني أنّه على الموفد الفرنسي أن يتوقع تسخين الحالة الحدوديّة، إذا كان أي من الاحتمالات الواردة أعلاه قابلاً للتنفيذ، بما ينسف مهمته ومحادثاته مع باقي القوى اللبنانية، أو مع المؤثرين الدوليين في الملف اللبناني.

 

والخلاصة أنّ مثل هذا التسخين من شأنه التأثير، ليس فقط على المصالح الفرنسية في لبنان، وانما على دور فرنسا برمته، بعد أن تنتزع منها الولايات المتحدة الملف، وتوسعه بما يناسب التحديات الإقليمية.