IMLebanon

“القوات” والتعيينات: الآلية… أو الطلاق!

 

تكاد تكون من المرّات النادرة، التي تستهدف فيها “القوات” رئيس الحكومة سعد الحريري بوابل من الانتقادات. عادة ما تحيّده وتبقي “الشوكة” عالقة في “حلقها”. لكن “الطعن” الذي تعرّضت له “القوات” على طاولة مجلس الوزراء في ما خصّ تعيينات المجلس الدستوري، دفعها إلى فتح “باب جهنم” بوجه المتخلّين عنها، وخصّت بشكل حاد رئيس الحكومة، وبدرجة أقل رئيس مجلس النواب نبيه بري.

 

قبل ساعات من التئام عقد مجلس الوزراء، كانت الاتصالات العابرة للمقار السياسية، لا تزال شغّالة، بحثاً عن صيغة تفاهمية تبقي القوات “على الخط” وضمن سلّة التعيينات، على قاعدة استبدال العضو الماروني الذي كانت تطالب به (سعيد مالك) بآخر أرثوذكسي أو كاثوليكي.

 

ما زاد من التباسات المشهد، هو الكلام عن ضوء أخضر، يقول رئيس الحكومة إنّه أضيء في ميرنا الشالوحي إيذاناً لعملية التبادل، بعدما تمكّن من سحب الموافقة من “فم” رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل على تجيير المقعد الأرثوذكسي أو الكاثوليكي لمصلحة معراب… لكن الصدمة كانت في رفض الأخيرة للصفقة، وعدم ممانعتها البقاء خارج جنّة المجلس الدستوري.

 

هكذا، فضّلت “القوات” خيار خوض معركة سياسية ضدّ الجالسين قبالتها على طاولة مجلس الوزراء، تحت عنوان “نكث الوعود والعهود”، على سيناريو تمثيلها بعضو يتيم في المجلس الدستوري، مرشح له أن يشهد على جولات من الطعون التي ستوضع أمامه. فكانت الغلبة لصوت الاعتراض.

 

في المقابل، أصرّ باسيل على إحراج “القوات” من خلال دفعها إلى الزاوية، لسببين: الأول بدا بمثابة “رد إجر” على التوتر المستجد حديثاً بين الفريقين والناجم عن كلام رئيس حزب “القوات” سمير جعجع في إطلالته الأخيرة. والثاني قد يكون محاولة لتعويض “انتكاسة” تسوية قبرشمون التي لم يبلعها باسيل ولم يهضمها، خصوصاً بعدما تمّ تظهير نهايتها على أنّها انتصار نظيف لرئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط. فكان لا بدّ من تعويض معنوي سريع يثبت أنّ باسيل لا يزال المسيحي الأقوى.

 

ولهذا، تدرك “القوات” جيداً أنّها ستواجه مستقبلاً مرحلة دقيقة جداً، وقد تكون تجربة سلّة المجلس الدستوري، نموذجاً مصغراً لما ينتظرها في ملف التعيينات الإدارية، حيث أثبتت محطة “الدستوري” أنّ طريقها إلى الإدارة العامة لن تكون معبّدة بالورود، لا بل ستكون أشبه بحقل ألغام. حتى الآن، تنأى “القوات” بنفسها عن محرقة المحاصصة التي تخطو بقية القوى السياسية نحوها، بخطى ثابتة، خصوصاً بعدما حسم رئيس الجمهورية ميشال عون الجدل إزاء الآلية القانونية، مؤكداً أنّها “وضعت في ظرف معين وهي ليست قانوناً ولم ينصّ عليها الدستور. فلتصبح قانوناً و”يمشي الحال”!

 

إذاً، إما يتمّ تشريع هذه الآلية في مجلس النواب، وإما سيُفتح بازار “على السكين يا بطيخ”. والأرجحية للخيار الثاني، خصوصاً إذا كان باسيل يعد نفسه بطاقم إداري “برتقالي اللون”، يجعل منه رجل الإدارة الأول بين نظرائه المسيحيين، وهو بالتالي لن يكلف نفسه مشقة عبور معمودية الآلية، ويفضل عليها لعبة الشطرنج لتوزيع “أزلامه” في الإدارة بالتكافل والتضامن مع “كبار” مجلس الوزراء.

 

وبعدما تلوّعت “القوات” بنار إقصائها، باتت أكثر قناعة أنّ لا مفرّ لها من شرّ التطويق إلا من خلال الآلية القانونية، ولو أنّ الرئيسين بري والحريري حاولا تهدئة مخاوفها من خلال تقديم التبريرات اللازمة لإقناع “حكيمها” أنّ جولة المجلس الدستوري لم تكن موجّهة ضد معراب، ولا هي ناجمة عن “مؤامرة كونية” تستهدف “القوات”. جلّ ما حصل، حسب رواية “عين التينة” و”بيت الوسط” المترابطة، هو أنّ باسيل بدّل قواعد التفاهم في اللحظات الأخيرة، ما أحرج الحريري ومعه بري اللذين اضطرا لمسايرة رئيس “التيار الوطني الحر” في طلبه.

 

ومع ذلك، لا تقنع الرواية في حلقتيْها، القواتيين الذين يجزمون أنّه كان بمقدور رئيس الحكومة أن يعاند قليلاً ويحول دون توسّع “الجشع البرتقالي”، وهذا ما يدفعهم إلى التشكيك في نيّات رئيس “تيار المستقبل”. وعلى هذا الأساس، تبدو خيارات “القوات” المستقبلية ضيّقة.

 

وبينما يستعد “التيار” لفتح سجلات “أزلامه” وسيرهم الذاتية لتوزيعهم على “حنفيات” الإدارة العامة، تعود “القوات” إلى مربعها الأول: الآلية الدستورية. لا مجال للتراجع عنها. وحده هذا العنوان قد يحرج أصحاب “المشروع الإصلاحي” ويحدّ من “نهمهم السلطوي”.

 

يقول القواتيون إنّ معركتهم مبدئية، “وإلا لكنا ارتضينا بمبدأ المقايضة ودخلنا المجلس الدستوري بواسطة عضو أرثوذكسي أو كاثوليكي. لكننا التزمنا الآلية التي ينصّ عليها قانون المجلس حيث زكّينا اسماً من بين الترشيحات التي تقدمت بسيرها الذاتية، لكن الآخرين لجأوا إلى لعبة المحاصصة التي نرفض أن نكون شركاء فيها”. ويؤكدون أنّ “القوات” ستعترض شكلاً ومضموناً على أسلوب “غبّ الطلب” إذا ما تمّ الركون إليه لحسم التعيينات الإدارية، وهي لن توفر “أي فريق سيشارك في لعبة تركيب الدولة على قياس بعض الأحزاب”.

 

خلاصة محددة قد تواجهها “القوات” في ما لو سار قطار التعيينات كما يشتهي “أولياء الحكومة”: المواجهة وكسر قرار الأكثرية، أو البقاء خارج جنّة التعيينات. ويبدو أنّها تفضّل خوض معركة شرسة تحت هذا العنوان، على ضمّها إلى “بازار” تقاسم “قالب الجبنة”، وهي التي تعرف مسبقاً أنّها قد تخرج من “مولد” التعيينات بالفتات!