IMLebanon

الحوار القوّاتي ــ العوني والسهل الممتنع؟

من يستعجل من المسيحيين ومن غيرهم، وصول الحوار القائم بين حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، الى نتائج سريعة، بمعزل عما اذا كانت هذه النتائج ايجابية او سلبية، يجهلون ان حوار القوات – التيار، يصحّ فيه التوصيف، انه حوار السهل الممتنع، لما فيه من ملفات سهلة الحل، وملفات اخرى صعبة ومعقدة، يستحيل ربما حلها، لانها تتطلب تنازلات عن ثوابت وتاريخ وتضحيات، لا اعتقد ان الطرفين، او احدهما على الاقل، على استعداد لطرحها جانباً او التخلّي عنها. واذا كان الطرفان قد توصلا الى «تقارب كبير في عدد من الملفات» على ما صرّح به النائب فادي كرم، ودخلا في مرحلة تبادل الاوراق التي تؤسس الى تحقيق هذا التقارب عملياً، كما حصل في موضوعي وقف الحملات الاعلامية واشاعة اجواء من الهدوء، وفي سحب الدعاوى القضائية، الا ان الدخول في عمق الملفات الاخرى، مثل، قانون الانتخابات والوجود المسيحي في الدولة، والفساد، والحقوق الضائعة او المسلوبة، وغيرها من القضايا الموضوعة على طاولة الحوار، لن ينتهي سريعاً، بسبب تداخل ما هو صعب وما هو سهل في هذه الملفات، ويلزم بالتالي تمتع الطرفين بالصبر والنَفَس الطويل للوصول الى حلول مرضية، ليست في الواقع من المستحيلات، باستمرار وجود الرغبة في التفاهم، والنيّة بتطبيع العلاقات بين محازبي القوات والتيار، لدى العماد ميشال عون، والدكتور سمير جعجع. ومن المهم في هذا المجال ان اشير الى ان الشعور بالمسؤولية الوطنية والمسيحية لدى الرجلين هو الذي يعطي هذا الحوار دينامية الاستمرار وحظوظ النجاح المتقدمة، ولو ان الحوار بين الفريقين الاقوى شعبياً على الساحة المسيحية، جرى بوجود رئيس للجمهورية في قصر بعبدا، كانت نسبة نجاحه اكبر واسهل، ولكن بفراغ في الرئاسة الاولى الذي كان السبب المباشر لبدء الحوار بين جعجع وعون، هو الذي سيعوق اكتمال الحوار بالوصول الى تفاهم حول رئيس الجمهورية المنشود، ليس بسبب طموحات الرجلين الرئاسية، او من هو افضل من الآخر، او من هو الذي يملك الحظ الاوفر بالوصول، بل هناك اسباب اخرى، اكثر صعوبة وتعقيداً، تبدأ بالخلاف العميق بين الرجلين، ليس حول السيادة والاستقلال والدولة والقرار الحرّ، التي يقول بها الطرفان، بل حول كيفية الوصول الى تحقيقها، في ضوء اقتناعات متعارضة تماماً، تشكل ثوابت عند كل منهما، ليس بالوارد، على اقلّه حتى الآن، التخلي عنها، وخصوصاً من قبل حزب القوات، على ما اعلن رئيسه وقياديوه في اكثر من مناسبة، وتنتهي بمواقف الفرقاء الآخرين، وخصوصاً لدى الشريك المسلم، الذي يرمي الكرة دائماً في ملعب المسيحيين، ولكنه في الحقيقة والواقع جاهز لرفض اي تفاهم بين جعجع وعون، اذا وجد انه لا يؤمن مصلحته. فهل سأل احد مثلاً، ماذا يفعل المكوّن الشيعي اذا قبل عون بدعم جعجع للرئاسة؟ هل يقبل بذلك؟ او ماذا يفعل المكوّن السنّي اذا قبل جعجع بعون، ولم تكن المملكة السعودية راضية بذلك؟ وما هو موقف النائب وليد جنبلاط، المصرّ على استمرار ترشيح النائب هنري حلو؟ وهذه الاسئلة تنزل في خانة «فيما اذا» تجاوز عون وجعجع خلافاتهما الاستراتيجية وثوابتهما، التي تعتبر حتى اشعار آخر العقبة التي يستحيل تجاوزها في حوارهما حولها، والتي قد تفضي الى استمرار الفراغ في الرئاسة الاولى، الى ما شاء الله، او يحصل ما ليس مقدراً له ان يحصل اقليمياً او دولياً او محلياً، فيعيد خلط الاوراق والتحالفات من جديد، او كما قال لي احد النواب السابقين، ان يستفيق اللبنانيون يوماً على اعلان النائب ميشال عون او الدكتور سمير جعجع، عزوفهما عن الترشح، او عزوف احدهما، وتكشف «الطبّة» المستورة، عن اسم الرجل الثالث الذي ربح ورقة «اللوتو» الرئاسية، بمباركة جماعية من الفاتيكان وفرنسا وايران، وبكركي، وقبول بالامر الواقع من الولايات المتحدة الاميركية.

تحليلات صعبة، يمكن، ولكن لا شيء مستحيلاً تحت الشمس، وخصوصاً في لبنان.