IMLebanon

سحب التصنيف العراقي لـ “الحزب” لم يُلغِ الضربة

 

 

أثار إدراج هيئة رسمية عراقية “حزب الله” اللبناني إلى جانب “جماعة الحوثي” على لائحة المنظمات الإرهابية وتجميد أصولها المالية، زلزالًا سياسيًا غير متوقع، أصاب قلب المحور الإيراني. ورغم تراجع الحكومة العراقية السريع عن القرار وفتحها تحقيقًا في ملابساته، إلا أن ما جرى لم يكن مجرّد خطأ إداري أو زلّة بيروقراطية، بل مؤشر على تصدّع داخلي آخذ في الاتساع داخل “البيت الشيعي العراقي” بشأن مستقبل العلاقة مع الفصائل الموالية لطهران.

 

الخطوة، وإن سُحبت، كانت كفيلة بكسر أحد “التابوهات” في السياسة العراقية، الممسوكة منذ سنوات من قبضة الحشد الشعبي، المتماهي عقائديًا وسياسيًا مع طهران. واللافت، أن التصنيف لم يأتِ من جهة معادية لمحور “الممانعة”، بل من مؤسسة داخل الدولة العراقية. بحسب المعطيات المتداولة، فإن اللجنة المكلّفة، بدأت منذ آذار الماضي اجتماعات ضمّت ممثلين عن وزارات الخارجية والداخلية والمالية، جهاز الاستخبارات، ومستشارية الأمن القومي، لبحث إدراج كيانات جديدة على قوائم الإرهاب. ما يعني أن القرار لم يصدر عن جهة واحدة أو بشكل اعتباطي، بل كان ثمرة مسار تشاوري متعدد الأطراف. كما أن إدراجه في “جريدة الوقائع” الرسمية العراقية، واتخاذه بالأغلبية، منحه صفة القانون النافذ.

 

ورغم تبرير الحكومة لاحقًا بأن إدراج “حزب الله” والحوثيين حصل “سهوًا”، إلا أن الآلية المعتمدة لنشر مثل هذه القرارات تمر بمراحل دقيقة من التدقيق اللغوي والقانوني، ثم تصديقها من الجهات الأمنية، قبل إحالتها إلى المستويات الحكومية والسياسية، ونشرها في الجريدة الرسمية بعد أيام من استكمال الإجراءات. ما يعني أنه إذا كان التصنيف سقط “سهوًا” أو من دون علم الحكومة، إلا أنه يعكس وجود رأي وازن داخل المؤسسات العراقية، يؤيد إدراج “الحزب” و”الحوثيين” على لائحة الإرهاب.

 

استطرادًا، تجدر الإشارة إلى أنه منذ انطلاق انتفاضة تشرين عام 2019، بدأت التبدلات تتغلغل ببطء في المشهد العراقي، حيث عبّرت شرائح واسعة عن رفضها لهيمنة إيران وأذرعها المسلحة على القرار السيادي. ومع التقدّم في مشروع “الشرق الجديد” القائم على المبادلات التجارية والاقتصادية وتصفير الحروب بين الدول، وإعادة رسم خرائط النفوذ، يبدو أن العراق بدأ يتحسس طريقه إلى التوازن، رغم التعقيدات.

 

ومن النقاط اللافتة التي تستدعي التوقف عندها، أن توقيت نشر قرار التصنيف في الجريدة الرسمية العراقية، أتى عقب زيارة مبعوث الرئيس الأميركي الخاص لسوريا توم برّاك إلى بغداد. وحمل الأخير رسائل مباشرة شددت على ضرورة ضبط الفصائل الموالية لإيران ووقف أي دعم مالي أو لوجستي لها، وفي مقدّمها “حزب الله” والحوثيون. كما أكّد أن إبقاء العراق خارج دائرة التصعيد الإقليمي، لا سيما في ضوء المستجدات في لبنان وسوريا، بات شرطًا أميركيًا أساسيًا لأي استقرار داخلي أو تعاون خارجي.

 

أما في لبنان، فقد تركت الخطوة العراقية، رغم التراجع عنها، وقعًا صادمًا في أوساط “حزب الله”، الذي بدأ يشعر بتضييق الخناق عليه من أكثر من محور. فبين تصاعد الضغوط الداخلية لنزع سلاحه، والانخراط في مسار تفاوضي دقيق عبر لجنة “الميكانيزم”، جاءت الإشارة من بغداد لتكشف عن واقع أكثر خطورة: شريان التمويل يضيق، وروافد الإمداد تتآكل. فالعراق كان يشكّل محطة أساسية في شبكة التمويل، وجسر عبور بين إيران ولبنان عبر “سوريا الأسد”. أما بعد سقوط النظام السابق، فاعتمد “الحزب” أساليب أخرى، منها رحلات سفر لشبان ليسوا من الطائفة الشيعية، إنما ينتسبون إلى “سرايا المقاومة” باتجاه العراق، تحت عناوين دينية أو ثقافية، ثم يعودون إلى لبنان بمبالغ محددة يسلمونها إلى “الحزب”.