IMLebanon

عوامل محلية وإقليمية ضاغطة ساهمت بحلحلة مواقف «حزب الله» من تعطيل عملية تشكيل الحكوم

تداعيات الوضع الإقتصادي وملف الأنفاق جنوباً والتدخُّلات الخارجية بدّلت في شروط التوزير المطروحة

عوامل محلية وإقليمية ضاغطة ساهمت بحلحلة مواقف «حزب الله» من تعطيل عملية تشكيل الحكومة

 

 

لم تفلح كل محاولات «حزب الله» السياسية والإعلامية بتحميل مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة للرئيس المكلف

لوحظ في الأيام الأخيرة تعميم نفحة إيجابية وصدور مواقف ومؤشرات من هنا وهناك توحي بإمكانية تحقيق اختراق ملموس في ملف تشكيل الحكومة الجديدة، قد يؤدي في حال استمرت الحركة السياسية المتواصلة بهذا الاتجاه إلى ولادة الحكومة في وقت قريب، بالرغم من الأجواء التشاؤمية التي خيمت على ملف التشكيل طوال الأسابيع الماضية وبقاء الأطراف السياسيين الأساسيين متشبثين بمواقفهم ولا سيما منهم «حزب الله» الذي خرج في الساعات الأخيرة قبل تشكيل الحكومة بمطلب توزير أحد النواب السُنَّة الستة التابعين له، ما اعاق عملية التشكيل التي باتت ترخي بتداعياتها السلبية واضرارها، ليس على الواقع السياسي فحسب وانتظام الحالة السياسية، بل على مفاصل الحياة العامة وعلى الأخص الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية.

ماذا حصل حتى تعمم مثل هذه البوادر الإيجابية بين ليلة وضحاها بعد التعقيدات والمواقف المرتفعة السقوف التي بادر بها الأمين العام للحزب حسن نصر الله رئيس الحكومة المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري وطرحه لمطلب توزير أحد النواب السُنَّة التابعين له خلافاً لما تناولته المشاورات بين الأطراف خلال عملية التشكيل؟ لا شك انه بعد رفض «حزب الله» تسليم أسماء الوزراء الثلاثة المرشحين لدخول الوزارة العتيدة إلى الرئيس المكلف أسوة بباقي الأطراف المشاركين في الحكومة، والظهور الإعلامي للأمين العام للحزب شخصياً للمطالبة بتوزير أحد النواب الستة كشرط أساسي وما تضمنه كلامه من لهجة مرتفعة وتهديد ووعيد وما قوبل به من ردود فعل من قِبل الرئيس المكلف سعد الحريري، ظهر بوضوح امام الرأي وبشكل لا يحتمل أي التباس ان الحزب عطل تشكيل الحكومة التي ينتظرها اللبنانيون بفارغ الصبر، كي تتحمل مسؤولية إدارة الدولة والاهتمام بشؤون النّاس، متذرعاً بمطلب توزير احد النواب السُنَّة هذه المرة لاعتبارات محلية وإقليمية على حدٍ سواء، وهو يريد من هذا الشرط الذي يبدو في نظر أكثرية السياسيين مصطنعاً بأنه هو شريك أساسي في تركيبة الحكومة من جهة، وتعليق تشكيل الحكومة انطلاقاً من هذا الشرط لإبقاء لبنان بلا حكومة ورهينة في الصراع الحاد الدائر حالياً بين الولايات المتحدة وإيران في المنطقة.

لم تفلح كل محاولات «حزب الله» السياسية والإعلامية بتحميل مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة للرئيس المكلف، وبقيت مسؤولية التعطيل بكل مفاعيلها ملقاة على الحزب بالرغم من التبريرات غير المقنعة التي اعلنها، في حين كرست المواقف الصادرة عن النواب السُنَّة الستة مسؤولية الحزب بشكل لا يحتمل أي تفسير او التباس، ما زاد النقمة الشعبية والسياسية على الحزب، حتى من بعض الأطراف السياسيين المقربين منه، وبات الحديث عن ان ما يقوم به الحزب في هذا الخصوص، لا يعطل تشكيل الحكومة فقط وإنما يضع العصي بانطلاقة العهد ويعطل الدولة ككل، بينما المفترض منه ان يكون مسهلاً لعملية تشكيل الحكومة وأن لا يتوقف عند مثل هذا الشرط الذي لم يقنع أحداً من السياسيين المخضرمين.

هذه المسؤولية اثقلت كاهل الحزب ولم يستطع التفلت منها، في حين بدأت التداعيات الاقتصادية والمالية لهذا التعطيل المتعمد ترخي بثقلها على أكثرية النّاس ولا سيما منهم الطبقة المتوسطة، وكان  التردي الحاصل يتصدر النقاش والمشاورات وينذر بانهيار واسع النطاق في حال لم يتم تداركه وذلك من خلال الإسراع بعملية تشكيل الحكومة.

لم يقتصر الأمر عند حدود التداعيات السلبية لتعطيل تشكيل الحكومة على الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية وتردي أداء إدارات الدولة على اختلافها، بل تزامن هذا الواقع مع التطورات المتسارعة على الحدود الجنوبية بعد قيام القوات الإسرائيلية باكتشاف الانفاق في عملية معدة سلفاً لاعتبارات داخلية إسرائيلية وإقليمية ودولية وقيام قوات الأمم المتحدة بابلاغ الدولة اللبنانية بأن ما يحصل يُشكّل خرقاً فاضحاً للقرار الدولي 1701، والمطالبة بأن تتحمل الدولية مسؤولياتها في التشدّد بالإلتزام بالقرار المذكور وعدم تكرار مثل هذه الخروق، في حين ظهر بوضوح أن تحديد توقيت عملية اكتشاف هذه الانفاق من الجانب الاسرائيلي السعي لتوظيفها إقليمياً ودولياً على الحزب وعلى الدولة اللبنانية من جهة ثانية وممارسة أقسى الضغوط الممكنة في المحافل الدولية.

ويلاحظ أن تظهير حدث اكتشاف الانفاق على الحدود وما رافقه من حملات إعلامية وسياسية إسرائيلية تهديدية ضد الحزب والحكومة اللبنانية، تفاعل من خلال تدخل الرئيس الروسي بوتين مع رئيس الحكومة الإسرائيلية شخصياً لمنع التصعيد وضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار في هذه المنطقة وبعث أكثر من إشارة روسية بضرورة تسريع خطى تشكيل الحكومة..

وهناك من يعتقد أن كل هذه العوامل وما يحدث في المنطقة عموماً، أدى عملياً الى تنفيس حالة الاحتقان الداخلي التي خيمت على الداخل منذ قيام «حزب الله» بالتعطيل الممنهج لعملية تشكيل الحكومة وساهمت بتبدل تدريجي في مطالب النواب السُنَّة الستة، من المطالبة بتوزير واحد منهم في الحكومة من قبل، إلى القبول بتسمية من يمثلهم من خارج التكتل، ومن شرط الالتقاء برئيس الحكومة المكلف إلى مطلب ضرورة الاعتراف بشرعيتهم، في حين يبقى الأهم من كل ما حصل ان استمرار تعميم الأجواء التفاؤلية لا يكفي لوحده، بل يجب انتظار وصول الأمور إلى خواتيمها بتشكيل الحكومة الجديدة، وهذا يعني في الخلاصة ان «حزب الله» أفرج عن عملية التشكيل التي كان يعطلها عمداً وباقي الأمور تفاصيل جانبية.