IMLebanon

البحث عن معيار..عن ورشة لا بدّ منها

 

الصخب الاستفزازي في الأسبوعين الأخيرين لا يُلغي، أنه، في نهاية المطاف، لم يتبدل شيئ من طبيعة المأزق الحالي: وهو انه، اذا كانت مشكلتك كيف تؤمن التمثيل الحكومي لأقلية ضمن طائفتها، بحجة أنه ينبغي ان تكون الحكومة تمثيلية بالكامل وتعكس كل الطاقات البرلمانية، فإنه لا يمكن أن يستقيم طموحك الانصافي هذا مع إلغاء الكتلة الاكثرية ضمن طائفتها، فكيف اذا اجتمع كل هذا مع إصرار في الوقت نفسه على الخلط العشوائي بين هذه الحسابات المحض طائفية، وبين العبارات الخطابية المتبرّئة من الطائفية. المأزق هذا هو مأزق المعيار. ورشات عمل مقترحة لتجاوز هذا المأزق: الفصل بين الطائفية واللاطائفية، ربط همّ الانصاف حيال المجموعات الاقل حجماً تمثيلياً برلمانياً ضمن طوائفها بالإنصاف حيال المجموعات الأكثر تمثيلية، وإلا، اذا كانت القناعة بأن النظام الطائفي وصل الى طريق مسدود، فلتكن صراحة في هذا الشأن. إنما، الإيحاء بمثل هذا في لحظة، وتوظيف المنطق الطائفي حين يحلو للمتغلّب توظيفه، والتبرّؤ منه حين يجد حاجة للتبرّؤ منه، كل هذا لا يعني إلا استمرار الدوامة، دوامة تعود بعد كل صخب استفزازي، الى النقطة ذاتها.

 

من الصعب للغاية استشراف كيف يمكن ان يتجاوز البلد النقطة العالقة الحالية، التي أُسر بها منذ نهاية الانتخابات النيابية قبل سبعة اشهر. كل هذا ونحن لسنا الحقيقة في مشهد انقسام بين جبهتين عريضتين، على امتداد البلد، كما في فترة الانقسام بين 8 آذار وبين 14 آذار. لم تغادرنا آثار هذا الانقسام تماماً، لكن الحالة مختلفة للغاية اليوم، والنقاش لا يتمحور في الوقت الحالي حول “المسائل السيادية” أو حول نظرتين مختلفتين للسيادة، وللوطنية، كما كانت الحال قبل عقد من الزمان. منذ اكثر من خمس سنوات دخلنا فعلياً في النقاش حول معايير التمثيل الصحيح بين الطوائف، وبين الجماعات السياسية الطائفية، وعلى قاعدة الفصل، التعسفي الى حد كبير، بين سؤال “من يتمثّل” وبين سؤال “من يسود”، ومن دون معالجة هذا الفصل اخذنا، أكثر فأكثر بعد الانتخابات الاخيرة، ننتقل من معضلة البحث عن صحة التمثيل البرلماني الى معضلة صحة التجسيد الحكومي للأوزان والأحجام البرلمانية، لكنها معضلة تبحث خارج المسار المُمأسس، الدستوري، مرة بداعي الميثاقية، ومرة بداعي الإقرار بمعادلة التغلّب واللاتوازن على انهما من طبائع الامور في البلد، لصالح فئة.

 

هذا التغلّب الفئوي هو بحد ذاته مشكلة جسيمة، لكن المشكلة الأخطر هي الاختلاط بين الخطاب التغلّبي الفخور بانعدام التوازن وبين الخطاب الميثاقوي الباحث عن توازن دقيق وشامل ومطلق، وبمعيّة التغلّب الفئوي، وإلا فلا حكومة.

 

بالتوازي، ظهرت أكثر فأكثر “مناطق غير واضحة دستورياً”، أو يُراد لها ان تكون بهذا الالتباس، على اساسها يجري الإمعان في العرقلة والتعطيل. انطلاقاً من هذه “المناطق غير الواضحة دستورياً” يجري تعطيل ما هو واضح دستورياً. مرة بالميثاقية، مرة بالتغلّب. بميثاقية المتغلّب التي لا تبحث فعلياً عن دستور بديل للبلاد، على ما تتّهم به من طرف أخصامها، بل عن مواصلة استثمارها للأوضاع المتصدّعة القائمة بشكل مزمن.

 

ليس صحيحاً انه ينبغي عدم فتح ورشة الاسئلة اللبنانية الاساسية كي لا يستفيد المتغلّب منها. الصحيح هو العكس. المتغلّب يستفيد من التردّد والتلكّؤ من الفتح الصريح، والمتأنّي، والمدقّق، لورشة هذه الاسئلة، وفي طليعتها ما يتعلّق بالمعايير. كيف لا يكون المعيار للتمثيل، للحكم، غير خاضع فقط لذاتيات وأهواء الأطراف المتزاحمة على الحصص والنفوذ؟