IMLebanon

«معراب 2» بين «القوات» و«التيار»؟

 

«القوات» ليست في مكان مريح: إذا انتفضت على الحكومة فستعترف بأنّ رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل على حقّ، وهذا أمر لا تستسيغه. وإذا بقيت في «البوسطة» تسجّل التحفظات والاعتراضات و»تمشي»، فإنها ستلغي الصورة التي حرصت دائماً على تظهيرها عن نفسها: صورة الحزب الذي لا يتنازل من أجل دخول السلطة!

يكفي الاستماع إلى النائب أنطوان زهرا في مداخلته أمس للتأكد من أنّ «القوات» تكاد تنفلق، وأنّ هناك شيئاً ما «على الطريق» لا بدّ أن يحدث بينها وبين شريكها في «تفاهم معراب»، «التيار الوطني الحر».

وصحيح أنّ الأمر يتعلّق خصوصاً بالوزير جبران باسيل لا بمعظم الكوادر الأخرى في «التيار»، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ باسيل يحظى بتغطية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون… صاحب توقيع «التفاهم».

يتفاقم الانطباع داخل الأوساط «القواتية» بأنّ «التيار» لا يتعاطى مع «القوات» من زاوية كونها الحليف، ولا الشريك، ولا حتى الركن الثاني في «تفاهم» مسيحي، وأنّ «التيار» استثمر هذا الاتفاق ليوصل عون إلى الحكم، وليحصل على تغطية «قواتية» لما يريد القيام به داخل الحكومة.

كانت «القوات» تظنّ أنّ «التفاهم»، في مقابل إيصال عون إلى الرئاسة، سيتعاطى بالتوازن مع «القوات» داخل الحكومة، فتكون بمثابة «الطفل المدلّل» خلال العهد، وسيحرص «التيار» على التعاون معها ليشكّلا معاً التغطية المسيحية داخل الحكومة، بعدما تخلّى عن تحالفه مع «المردة».

ولكن، يقول «القواتيون»: «هناك شعور لدينا بأنّ «التيار» لا يريد التعاطي معنا من الند إلى الند، ولا يعتبر أننا متساوون في التمثيل، بل أنه هو الأساس في التمثيل المسيحي، وأننا في مرتبة ثانية، وعلينا القبول بذلك».

ويضيف «القواتيون»: «مع الوقت، لم يعد «التيار» يتحدث عن دورنا في توفير التغطية لوصول عون، كما كان يفعل في بداية العهد. فقد أصبح ملف الرئاسة وراءه، ونسي التفاصيل والوقائع، وهو يقول اليوم: ببساطة، أعطينا «القوات» مقدارَ ما تستحقه، وليس لها أن تطالبَنا بأكثر».
هؤلاء «القواتيون» يتحدثون عن الفوقيّة في تعاطي وزراء «التيار» مع زملائهم «القواتيين».

فهم لا يستمعون إلى رأيهم في الملفات، سواءٌ منها العامة أو ذات الاهتمام المسيحي المشترَك، ويتجاهلون أصولَ الشفافية والنزاهة وعمل المؤسسات، خصوصاً بعدما ركبوا خطّ التعاون والتنسيق والمصالح المتبادَلة مع «المستقبل».

لقد سجّل وزراء «القوات» مطالبهم واعتراضاتهم في ملفات عدة، لكنّ رأيهم لم يُسمَع: «بواخر الكهرباء، التعيينات الديبلوماسية والقضائية، إنجاز الموازنة من دون قطع الحساب، صفقة البطاقة البيومترية، السلفة لوزارة الاتصالات، التطبيع مع النظام السوري ومقاربة ملف النازحين وسواها… وبالاضافة الى ذلك، يعاقب وزراء «التيار» زملاءهم «القواتيين» بعرقلة ملفاتهم، ولا سيما منها في الإعلام والصحة».

وتقول مصادر «قواتية»: «هناك خلاف حقيقي بيننا وبين «التيار» حول طريقة ممارسة السلطة لم نكن نتوقع حصوله يوم توصلنا إلى «التفاهم»، لأننا كنا نراهن على التزام أسس الشفافية والتعاون والتنسيق. وهذا الأمر لا يتحقّق اليوم».

ولكن، اللافت، هو ردّ أوساط «التيار» على هذا الكلام «القواتي»: «على المستوى القيادي، لم نتبلّغ حتى اليوم استياءً «قواتياً» يبلغ الخط الأحمر. ولكن، إذا كانوا نادمين على تفاهم معراب، فلنبدأ مفاوضات جديدة، بناءً على المعطيات السياسية التي طرأت على مدى عام مضى، ولنتوصّل إلى اتفاق «معراب 2» يعيد تحديد الأسس للتفاهم بيننا وبينهم في شكل أوضح».

إذا حصل فعلاً تفاوض من أجل الوصول إلى «معراب 2»، فإنّ «التيار» سيستفيد من المكاسب التي حققها خلال وجوده في موقع قوي داخل السلطة على مدى عام كامل. ولكن، في المقابل، لن تكون «القوات» في موقع يسمح لها بتحسين الظروف أو بتصحيح الأخطاء والانزلاقات التي اعترت تفاهم «معراب 1»، لأنّ «التيار» بات اليوم في غنى عن دعمها. فالانتخابات الرئاسية أُنجزت والحكومة قائمة، وموقع «التيار» داخل التوازنات السياسية أقوى من موقع «القوات».

في أيّ حال، «القوات» طلبت حواراً قيادياً مع عون حول الملف. واللقاء الذي كان محتمَلاً بين عون والدكتور سمير جعجع بعد عودة عون من زيارته لنيويورك لم ينعقد، لأنّ رئيس الجمهورية يفضل إحالة الملف الى باسيل ليبقى في إطاره الحزبي. لكنّ الانطباعَ السائد لدى «القوات» هو أنّ باسيل يستفيد بأوسع مدى من تغطية رئيس الجمهورية ليمضي في نهجه.

وفيما الجمرُ تحت الرماد بين الطرفين في مجلس الوزراء، انطلقا في حرب صامتة على المستويَين السياسي والشعبي. وستزداد الحرب اشتعالاً كلما شعر الطرفان بأنّ هناك انتخاباتٍ محتمَلة في أيار المقبل: سباق على استقطاب الجماهير وتسمية المرشحين وتجييش المغتربين وتركيب التحالفات.
لمَن الزعامة المسيحية؟ هذا هو السؤال الذي يتمحور حوله النزاع.

ولعل جعجع كان السبّاق عندما سارع إلى محاصرة معركة باسيل في البترون، وهو اليوم يبادر إلى تسمية المرشحين من المتن إلى جزين إلى بعلبك – الهرمل ويعلن رغبة «القوات» في خوض انتخابات زحلة منفردة.

وعندما أعلن باسيل موقفه المثير في عاليه، قبل أيام، حول وضع المسيحيين في الجبل، أدرك جعجع مغزى الرسالة في منطقة يعتبر أنه فيها الأقوى مسيحياً، فردّ عليه من أوستراليا: «متمسّكون بمصالحة الجبل حتى النهاية»! وهو في ذلك قدّم الدليل إلى أنه الشريك الأقرب إلى التفاهم مع رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط.

حتى اليوم، الجميع يناسبه شعار «أوعا خيَّك». ولكن، كم سيصمد «خيَّك» إذا تفاقم شعوره بالندم والخيبة؟