IMLebanon

“الرفاقُ حائرون” في المعارضة و”يا ربُّ نفسي”!

 

بدأت القوى السياسية اللبنانية تراجع حساباتها بكثير من التأنّي والدقّة، بعد الرسائل الدولية والإقليمية التي بلغتها في الأسابيع الأخيرة، وكلها تؤشر إلى احتمال دخول الوضع اللبناني في تسوية سياسية برعاية 3 وسطاء أساسيين، أميركي وفرنسي وسعودي.

 

هناك من يعتقد أنّ التسوية الموعودة في لبنان هي اليوم قيد التحضير بالكامل. وبعد إنجازها ستوضع في الأدراج لتكون جاهزة للتنفيذ في اللحظة التي تصمت فيها المدافع في غزة.

وما يثير القلق لدى قوى المعارضة هو المعلومات الواردة إليها ومفادها أنّ «حزب الله» سيحصل على مكاسب داخلية مُهمّة في التسوية الموعودة، مقابل انخراطه في التفاهمات المحتملة على الحدود الجنوبية.

ويتوجّس بعض المعارضين من مفاجأة قد تقع في أي لحظة، فيتمّ إمرار تفاهم دولي- إقليمي يقضي بالاعتراف بالتوازن السياسي القائم حالياً على الأرض وداخل السلطة في لبنان، والذي يحظى فيها «حزب الله» بالموقع الأقوى.

ووفق ما هو واضح، يجري العمل على إنجاز الانتخابات الرئاسية في شكل خاطف، تحت شعار أنّ لبنان يحتاج إلى ملء موقع الرئاسة، ليقود رئيس الجمهورية من موقعه الدستوري ملف المفاوضات مع إسرائيل ويوقّع أي اتفاق أو معاهدة معها. وستراعي التسوية مطالب «الحزب» في تسمية الرئيس والموافقة على توجّهات الحكومة العتيدة وطمأنته في العديد من المواقع داخل المؤسسات.

وأما موضوع السلاح الذي تطمح المعارضة إلى معالجته في أي تسوية مقبلة، فهو على العكس قد يحظى بمزيد من الشرعية. فالاتفاق على الترتيبات الأمنية في الجنوب سيحّدد السلاح الذي لا يمكن للحزب امتلاكه داخل خط معين، على مسافة من الحدود، وقد يكون الليطاني إذا تمّ الأخذ بمنطوق القرار 1701.

وهذا يعني تلقائياً أنّ السلاح المنتشر وراء هذا الخط، أي في الداخل، سيبقى رهن النقاش بين اللبنانيين أنفسهم ووحدهم. وهذا الأمر يؤجّل البحث في السلاح إلى موعد غير محدّد، ربما إلى ما بعد سنوات أو حتى عقود أخرى.

ويسجّل أركان في المعارضة خشيتهم من تحوّلات في تعاطي اللجنة الخماسية معهم، إذ باتت أكثر إلحاحاً في دعوتهم إلى تليين المواقف وتسهيل التسوية المطروحة، بداعي أنّ المناخات الدولية والعربية تقتضي ذلك، وأنّ ما ينتظر لبنان في حرب غزة شديد الخطورة وقد يهدّد مصير دولته وكيانه. الفرنسيون كانوا سبّاقين، قبل حرب غزة، في طرح ورقة تسوية اعتبروها «واقعية»، ولكنها ووجهت برفض المعارضة في الداخل، لأنّها تلبي تماماً مطالب «حزب الله». كما كانت هناك تحفظات أميركية وسعودية تجاهها يومذاك. وأما اليوم، فالعلاقة جيدة بين الإدارة الأميركية، من خلال موفدها عاموس هوكشتاين، والقوى الشيعية في بيروت. وأما السعودية فباتت أكثر ليونة في مقاربة التسوية، بتأثير من واشنطن وباريس، ونتيجة للنهج الواقعي «صفر مشكلات» الذي تعتمده قيادتها الشابة، والذي تجلّى بإبرام اتفاق بكين مع طهران.

هذه المناخات كان لها وقع الصاعقة على المعارضين في لبنان. فهم يشعرون بأنّ الجميع يتخلّى عنهم. وفي الواقع، كانوا مقتنعين، في المراحل الأولى من حرب غزة والجنوب، بأنّ المنطقة ستتغيّر بعد الحرب، وسيُعاد فيها خلط الأوراق، وسيتراجع فيها نفوذ إيران وحلفائها، وستنتهي بتسويات أكثر توازناً، ما يتيح قيام توازنات جديدة في لبنان، يصبح فيها «حزب الله» طرفاً سياسياً عادياً، يتوازى مع القوى الأخرى ولا يتفوّق عليها.

ولكن، ظهَر «الحزب» في هذه المواجهة أكثر براغماتية، فيما خصومه بدوا أكثر تخبّطاً. وهذا الأمر يفسّر وضعية الإرباك التي تصيب القوى المصنّفة في خانة المعارضة. ومن أبرز مظاهرها، المقاطعة الواسعة لـ«لقاء معراب».

ففي الواقع، «رفاق» «القوات اللبنانية» في الصف المصنّف في مواجهة «حزب الله»، خذلوها. ومن حق «القوات» أن تبدي استياءها لأنّهم تركوها في اللحظة الأكثر حساسية، بل مصيرية ربما. لكن «الرفاق حائرون» في الواقع، وكل منهم يرفع مبرراته:

1 – مسيحياً، هناك الذين خافوا أن تحرقهم «الصورة» في معراب. وهناك «الديوك» الذين لا يريد أي منهم التنازل وتلبية دعوة أحد.

 

2 – درزياً، لم يجد أحد نفسه- لا الحزب «التقدمي الاشتراكي» ولا المعارضون- مضطراً إلى اتخاذ موقف يمكن أن يظهر وكأنّه يعاكس اتجاهات التسوية التي يجري النقاش فيها، لئلا يدفع الثمن لاحقاً.

 

3 – سُنّياً، هناك المزيد من التفكّك داخل الطائفة في غياب الحريرية، وتتنامى القوى الأكثر قرباً من «حزب الله»، ولعلّ أنشطها «الجماعة الإسلامية» التي يجمعها اليوم مع «الحزب» قتال إسرائيل. ولكن أيضاً، يسأل البعض عن احتمال وجود «كلمة سرّ» سعودية وراء غياب بعض الرموز المعروفة بتعاطفها مع «القوات».

إذاً، بدلاً من أن تؤدي حرب غزة والجنوب إلى اجتماع القوى المصنّفة في خانة المعارضة، فإنّ هذه القوى تشهد اليوم فصولاً من التفسّخ، ليست مسبوقة منذ أن نشأت 14 آذار.