IMLebanon

بعد ثماني سنوات على توقيع تفاهم معراب… ماذا بقيَ من كأس المصالحة المسيحيّة؟

 

“طلعات ونزلات” وصفحات من خيبات الأمل أعادت المسيحيين الى الإحباط والغبن! –

 

بعد مرور ثماني سنوات بالتمام على توقيع تفاهم معراب، بين رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع والعماد ميشال عون حينئذ، ومع إعلان جعجع عن تبنيّه لترشيح عون الى رئاسة الجمهورية، مستعيناً بشعار القوات “حيث لا يجرؤ الآخرون”، كان المشهد السياسي صادماً لانه حقاً إحتاج الى الجرأة، بعد ان أحدث صدمات للحلفاء والخصوم معاً وعلى جميع المحاور السياسية، في ظل تأكيد من جعجع على ان هذا الترشيح إحتاج الى دراسة وتفكير ومناقشات ومداولات في الهيئة التنفيذية “للقوات اللبنانية”، بهدف الخروج مما نحن فيه اليوم الى وضع مستقر وآمن.

 

هذا المشهد الذي اتى من معراب قلب كل المقاييس، وأشعل لبنان حينئذ سياسياً ايجابياً وسلبياً، كما أشعل مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيدين ومعارضين غير مصدّقين لما يجري، بحيث كان المتابعون يرون أن العلاقة المستجدة بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” لن تتعدى ورقة إعلان النوايا التي وقعّت في حزيران 2015، أي انها ستكتفي بطمأنة الشارع المسيحي والتخفيف من الاحتقان، خصوصاً ان عون وجعجع اعلنا ترشيحهما للرئاسة، أي انهما في خندق ضد بعضهما، لكن ما جرى في ذلك الوقت خلط كل الاوراق السياسية ، لانه انهى فريقيّ الرابع عشر والثامن من آذار في عز نشاطهما ، وبالتالي أنتج حرب إلغاء ضد كل مكوناتهما السياسية، اذ جمعتهما “المصيبة” عون وجعجع، بعد طرح إسم النائب في ذلك الوقت سليمان فرنجية كمرشح تسوية، من خلال طبخة خارجية نفذتها مكونات سياسية غير مسيحية، ما حثهما على إعلان جبهة رفض تحّضرت كواليسها، فإنتهت بتشكيل حلف سياسي ماروني حمل الكثير من الاسئلة ومن المشككين، لان الماضي الاليم بين جعجع وعون لن يُمحى لانه اسقط شهداء من الطرفين، لذا فمشهد ذلك الكانون من العام 2016 لم يتقبله البعض بسهولة، لانه إحتاج الى المزيد من القراءة السياسية كي يستوعب صدمته.

 

الى ذلك، استبشر المسيحيون خيراً بأنّ الماضي الاليم بين الفريقين سيزول وسيمحى من الاذهان، بعد ان شاهدوا شرب كأس المصالحة المسيحية ، محاولين التصديق بصعوبة ، ولكنهم أبوا إلا ان يتفاءلوا بالخير حتى ولو كان صعب التحقيق، اذ غابت الثقة في تلك المصالحة، التي تأرجحت بعد سنة من توقيعها بين “الطلعات والنزلات” وخيبات الامل، في الوقت الذي كان فيه المسيحيون محتاجين الى الوحدة اكثر من اي وقت مضى، على أثر المواقف التي أطلقها حينئذ الزعيمان المسيحيان.  لكن ومع مرور الوقت كل هذا تبخّر، والواقع الايجابي لم يدم طويلاً، فيما كان بعض المسيحيين ينتظرون “طحشة” الثنائي الماروني التي ستقضي على الجميع، وبأن تحالفات بالجملة ستوّقع بين “التيار الوطني الحر” و”القوات” في مختلف الدوائر الانتخابية في ذلك الوقت، وبالتالي سيتمثلان بالثنائي الشيعي الذي يتفق على أي مهام او مركز شيعي في الدولة، ويتخذ قرارات موّحدة في اكثرية الملفات، فيلغي على الفور الأصوات المعارضة في هذا الاطار، ويقول كلمته ونقطة على السطر.

 

لكن الافعال لم تأت على قدر الوعود، بل زادت من عمق المشاكل، وعاد مشهد الالغاء من جديد وإن لم يكن عسكرياً، لكنه بالتأكيد معنوي ومتبادل، فيما رأى قسم من المسيحيين أنّ ترشيح جعجع لعون الى الرئاسة حمل تفسيرات منها ايجابية واخرى سلبية، وإن اعطى بعض التطمينات لفترة معينة، مروراً بالخلافات التي لم تنقطع بين جعجع والوزير جبران باسيل، الذي اعلن مراراً أنه لم يوّقع على تلك المصالحة بل العماد عون، غامزاً من انه ليس ملزماً بها، الى ان وصلت التناحرات الى ذروتها، ومنها التباين السياسي الواضح في مجلس الوزراء بين وزراء الفريقين، على خلفية ملف بواخر الكهرباء، مروراً بالتعيينات وصولاً الى الخلافات على التحالفات الانتخابية، ومن ثم العرقلة التي قام بها باسيل في الحكومة، عبر تقليل عدد الوزراء “القواتيين” على الرغم من فوزهم في ذلك الوقت بـ 15 مقعداً في مختلف المناطق اللبنانية، وبالتالي عدم إعطائهم الحقائب الوزارية التي تتناسب وحجم مقاعدهم، وصولاً الى تعيينات المجلس الدستوري التي اُخرجت “القوات” منها ضمن لعبة محضّرة، إضافة الى الخطابات التي اطلقها باسيل ضد “القوات” ورئيسها.

 

كما أنّ الخلاف “القواتي” تفاقم مع باسيل وليس مع العماد عون، لانّ توزيع الحصص وفق الحجم السياسي لكل فريق كان بيد رئيس “التيار”، ما ساهم في تفاقم المشاكل ايضاً مع باقي الاطراف المسيحية على مناصب قضائية ومالية.

 

في السياق، دعت مصادر سياسية مسيحية الطرفين الى ضرورة نسيان الماضي، وفتح صفحة جديدة لانّ الظروف السياسية الحالية تتطلّب وحدة في الصفوف المسيحية، وإلا سيسقط الهيكل على رؤوس الجميع، وبالتالي سيبقى التشاؤم مرافقاً لتلك العلاقة الحافلة بالمآسي، والمطلوب مصالحة مسيحية مغايرة ونهائية تحت سقف بكركي للركنين الابرز على الساحة المسيحية، والتوافق اولاً على إسم الرئيس وتوحيد المواقف في الاستحقاقات الهامة، لانّ الوضع المسيحي في أصعب ظروفه ويتطلب تنازلات من الطرفين، لتختم: “لبنان والمسيحيون يستحقون هذه المصالحة، ويجب ان تكون نهائية هذه المرة”.