IMLebanon

عصا ماكرون

 

لم تنفع “الجزرة” مع المسؤولين اللبنانيين لدفعهم نحو التعهّد بالقيام بالإصلاحات بعيداً من مصالحهم الخاصة، ولكن يبدو أنّ “العصا” قد فعلت فعلها، فجعلتهم يتعهّدون أمام الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون بتطبيق جزء أساسي من هذه الإصلاحات قبل نهاية العام الجاري.

 

هذا التعهّد سقطت أمامه كلّ العناوين التي كان يتغنّى فيها البعض، لجهة أنّه يرفض المسّ بسيادة لبنان وقراره، ويرفض التدخّل الأجنبي في الشؤون اللبنانية، ويهاجم الإستعمار الجديد ويتحدّث عن أنّ لبنان قادر على مواجهة الأزمات بنفسه. وطبعاً كلّ هذا الكلام كان يأتي كردّ على أي تحرّك غربي تجاه لبنان، أو أيّ تصريح أو موقف، في اعتبار أنّ الغرب يريد الشرّ لهذا البلد، بينما البعض الآخر الذي لا حرج في تدخّله، يريد خير لبنان واللبنانيين، وهم لم يروا منهم سوى ويلات تلو الأخرى.

 

إنّ هذا الرضوخ للمسعى الفرنسي من قبل المسؤولين والقيادات اللبنانية يُشكّل أكبر إدانة لهم، ويُعتبر بمثابة الدليل على أنّ هؤلاء لم تكن لديهم النية عن قصد وعن سابق إصرار وتصميم لإنقاذ لبنان واللبنانيين، ولبناء دولة ومؤسسات قوية وفاعلة يسود فيها القانون على الجميع، وتتمتّع بقرارها الحرّ، فأهدروا السنوات والأموال ودمّروا الإقتصاد، وأسقطوا كلّ امتيازات المواطنين ومدخراتهم، واستمرّوا في خلافاتهم للدفاع عن مصالحهم الشخصية حتى أوصلونا إلى الكارثة والمعاناة التي نعيشها. والأنكى أنّه لم يكن في نيّتهم تغيير هذا النهج التدميري لولا هذا الحزم الفرنسي الذي سيحاولون، وبكلّ تأكيد، التحايل عليه بانتظار اللحظة المناسبة للإنقلاب عليه والعودة إلى مربّعهم الأول، مربّع التناتش والانتهازية والفوضى.

 

هذا الواقع يجب أن يكون واضحاً لكلّ الشعب اللبناني ولمؤيدي الزعماء تحديداً، ففشل إنقاذ لبنان لم يكن بسبب تدخّلات خارجية، بل كان بسبب تعنّت السياسيين اللبنانيين وتقديم مصالحهم الشخصية والطائفية والمذهبية على مصلحة الوطن والمواطنين. وستُظهر الأيام، إن التزموا فعلاً بالإصلاح وإنقاذ البلد، كم هم متورّطون في تحويل حياة اللبنانيين جحيماً. والخشية أن يكونوا مستعديّن لإضرام المزيد من النيران كي تحرق ما تبقّى، فهمّهم الأول والأخير هو ألّا تنكشف جميع فضائحهم، فعندها، ستكون المحاسبة تجاههم من أهل البيت.

 

إنّ الدليل على خوف هؤلاء المسؤولين والقيادات هو رفضهم لأي انتخابات نيابية مبكرة، ولكن المفارقة أن يجاريهم الرئيس الفرنسي بهذا الرفض، وهو لا يدرك أنّ استمرار إمساكهم بالقرار النيابي والحكومي هو الوسيلة الأقوى لقلب الطاولة على ماكرون وجميع اللبنانيين ساعة يحين الحساب.