IMLebanon

ماكرون يعاني الانفصام السياسي وقطر تقدمّ النصيحة

 

تزامنت زيارة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مع عودة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري إلى بيروت، بعد إشاعة أجواء عن تحريك جديد للمبادرة الفرنسية بعد الاتصال بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والفرنسي مانويل ماكرون، تناول في جزء منه الملف اللبناني، وقيل بعده إنّ ماكرون حصل على توكيل أميركي بتولّي حلّ العقدة الحكومية والوصول إلى مدخل مناسب لوقف الانهيار الكامل والذي سيعني تحطيم كيان الدولة والدخول في المجهول.

 

زيارة قطرية تحت سقف المصالحة الخليجية

جال الوزير القطري على القصور الرئاسية،  فالتقى رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، ميشال عون ونبيه بري، والنائب جبران باسيل، بينما لم يحصل اللقاء مع الرئيس المكلف سعد الحريري، نظراً لوجوده في باريس للقاء الرئيس ماكرون.

تأتي زيارة الوزير القطري بعد إتمام المصالحة الخليجية، وهذا يحتّم وجود سقف مشترك تجاه الملف اللبناني يجعل التحرّك القطري منسجماً مع توجه الرياض، مع استبعاد ما طرحه البعض عن مبادرة الدوحة للدعوة إلى عقد مؤتمر للقوى السياسية والاكتفاء بالتركيز على الموضوع الحكومي، وهو ما عبّر عنه الوزير آل ثاني من خلال دعوته «جميع الأطراف اللبنانية إلى تغليب المصلحة الوطنية، والتعجيل بتشكيل الحكومة، معرباً عن استعداد الدوحة لتقديم أي دعم ومؤكداً في الوقت نفسه على أنه شأن داخلي لبناني».

الإنذار الأخير.. أو النصيحة الأخيرة قبل الكارثة

في هذا الإطار، كشف متابعون لأجواء الزيارة أنّ رئيس الدبلوماسية القطرية جاء حاملاً رسالة حرص على لبنان، وتحذير لمن يتولّون المسؤولية من أنّ الاستمرار في تعطيل تشكيل الحكومة وبالتالي منع الإصلاحات الضرورية والعاجلة لتأمين القدر المطلوب من المساعدات ووضع آليات للإنقاذ الاقتصادي، يضع لبنان أمام خطر التفكّك وفقدان الهوية واضمحلال السيادة والوحدة وتشظي المؤسسات.

ويضيف المصدر أنّ الوزير القطري حذّر من التقاهم من أنّ هذا التنبيه قد يكون الأخير قبل هبوب الأعاصير على لبنان، وأنّه يخشى من تداعيات هذا الجمود، وأنّ تحرّكه يأتي من استشعار الخطر الداهم على البلد، حيث ترتبط بلاده بعلاقة طيبة مع جميع الأفرقاء، وهي تسعى للمساهمة في تلافي وقوع الكارثة.

مبادرة ماكرون: فقدان الزخم وانفصام سياسي

في سياق آخر، يتوقف المراقبون عند المقاربة الفرنسية للأزمة اللبنانية، فيسجّلون بهذا الخصوص سلسلة طويلة من الملاحظات أفقدت مبادرة باريس زخمها وفعاليتها وقدرتها على التأثير، الذي لن يأتي من كيل الإهانات للسياسيين والتظاهر بالاستقواء عليهم، بينما بقي الواقع اللبناني تحت وطأة هؤلاء الذين يقوم ماكرون بإهانتهم.

والأنكى من ذلك أنّ الرئيس الفرنسي يقع في انفصام سياسي فاقع، عندما يقوم بتقريع المسؤولين، ثمّ يتصل بهم ويبحث معهم مسألة تشكيل الحكومة، ويصل به الأمر إلى الإشادة برئيس الجمهورية رغم أنّه المعطّل بنظر الأغلبية من اللبنانيين وبنظر الكنيسة المارونية، وهو تدرّج في تنازلاته من تغيير النظام إلى القبول بتشكيل حكومة غير مكتملة المواصفات، في محاولة لإنقاذ ماء الوجه، بعد أن ادخله بعض مستشاريه الذين يعتمدون على رؤية الرئيس ميشال عون في المأزق تلو الآخر ولم يستطع أن يحرّك صخرة العناد والجمود المسيطرة على المسار الحكومي.

البحث عن إنجازات للاستثمار الانتخابي

يسعى ماكرون إلى تسجيل إنجاز داخلي وهو يواجه الانتخابات التشريعية في العام 2022 لتحقيق إنجاز خارجي يستثمره حزبه في حملته الانتخابية، لهذا لم يعد مهتماً بجوهر الإنجاز، بقدر ما يتحرّق لأخذ صورة وعناوين برّاقة توحي بأنّه تمكن من حلّ الأزمة اللبنانية ببعديها المعنوي والسياسي عند الفرنسيين.

لماذا تجاهل نداء البطريرك؟

ما يفعله ماكرون فعلياً هو التعامل مع طبقة يصفها بكلّ أنواع الفساد، ثم يشيد برئيس جمهوريتها في الاتصال الهاتفي الأخير، ويتجاهل نداءات البطريرك الماروني مار بشارة الراعي الذي وصلت به الحال إلى الإعلان بوضوح أنّ «وضع لبنان المنهار يستوجب أن تطرح قضيته في مؤتمر دولي خاص برعاية الأمم المتحدة»، في موقف أكّد أنّ «جميعَ المبادرات والوساطات اللبنانية والعربية والدولية قد استنفذت من دون جدوى، وكأن هناك إصراراً على إسقاط الدولة بكل ما تمثل من خصوصية وقيم ودستور ونظام وشراكة وطنية».

عملية كوموندس سياسي لإنقاذ «حزب الله»

يتجاهل ماكرون فعلياً كلّ الأبعاد العميقة للأزمة، وتحديداً معضلة سلاح «حزب الله» الحاكمة وهو يصرّ على التعامي عنها كما فعل في زيارته بعد تفجير مرفأ بيروت عندما قام بعملية كوندوس سياسي لإنقاذ الحزب الذي كان قد تلقى إدانة أحد أبرز قياداته باغتيال الشهيد رفيق الحريري، وواجه الاتهامات بالمسؤولية عن تفجير المرفأ وكانت سلطته مهدّدة بالسقوط، فحضر ماكرون واستدعى الجميع إلى طاولة قصر الصنوبر وفرض التطبيع مع الحزب رغم كلّ العوائق الموضوعية التي تفرض إخراجه من الحكومة وإنشاء تركيبةٍ وزارية مستقلة تستطيع فتح ثغرة في جدار العزل العربي والدولي القائم على لبنان.

من يُفشِل مبادرة ماكرون؟

لكن هل سأل ماكرون نفسه، ومعه مستشاروه «العونيون»: لماذا فشلت مبادرته منذ أعلنها، ولماذا تستمرّ في الفشل أو الإفشال، ومن هي الجهة التي تفشلها وتحول بدون تطبيقها، رغم أنّه قدّم «تنزيلات» لأطراف السلطة عندما قال إنّه ليس من الضرورة بأن تكون حكومة كاملة المواصفات، لكن حتى هذا التنازل لم يؤثـّر في الواقع شيئاً وتواصل توزيع الأدوار بين مراكز القوى، وهو ما بات يدركه جميع المتعاطين بالشأن اللبناني.

ربما يجب آن للرئيس الفرنسي أن يدرك أنّ إيران لن تمنحه ورقة لبنان، لأنه تحتفظ بها في إطار أوراق التفاوض مع الجانب الأميركي، وأنّ «حزب الله» بات يرى مبادرة ماكرون ضعيفة ولا تملك فرصة النجاح، خاصة بعد أن اطمأنّ إلى أنّ حليفه الرئيس عون وصهر عهده جبران باسيل، حسما موقفيهما بعد خضوع الأخير للعقوبات وانحازا إلى الخطّ الإيراني بالكامل، وهذا ما يفسّر التصلّب الشديد لديهما في قضية الثلث المعطل وما يسمى صلاحيات رئيس الجمهورية، حيث تشير كلّ المعطيات إلى أنّ الحزب لن يفرج عن الحكومة قبل أن تنفرج علاقته بواشنطن ولو استغرق ذلك أشهراً وحتى أعواماً.

في الخلاصة: لن يسمح «حزب الله» بتشكيل أيّ حكومة إلاّ إذا كانت مكوّنة بإرادة المرشد الإيراني علي خامنئي ورئيس النظام السوري بشار الأسد وأمين عام الحزب حسن نصرالله، وهذه حكومة ستزيد الطين بِلَّةً، لأنّ المخارج السياسية والمالية لا بدّ أن تمرّ بدول الخليج، وتحديداً السعودية، وفائض القوة عند الحزب في لبنان لا يمكن صرفه في العلاقات الخارجية، خاصة في ظلّ تصعيد الأذرع الإيرانية في اليمن والعراق، والإمعان في سلب لبنان مقوّمات البقاء.