IMLebanon

حقوق المسيحيين تتأكد في انتخاب الرئيس أم في تعطيله؟

الرياح سارت بما لا تشتهي سفن عون في مجلس الوزراء وفي الشارع

حقوق المسيحيين تتأكد في انتخاب الرئيس أم في تعطيله؟

تعمّد باسيل أمام وسائل الإعلام إفتعال إشكال سخيف وخاسر مع الرئيس سلام

نفّذ ميشال عون أول أمس ما وعد به من النزول إلى الشارع، أي «قرن القول بالفعل»، واستطاع بنزول حوالى مائة من أنصاره إلى الشارع مع تعمّد احتكاكهم بالجيش والقوى الأمنية، وكذلك افتعال وزير الخارجية جبران باسيل الإشكال مع الرئيس تمام سلام وتعمّده أن يكون ذلك أثناء وجود وسائل الإعلام في قاعة اجتماعات مجلس الوزراء، أن يخطف الأضواء ويجذب وسائل الإعلام واهتمامات السياسيين واللبنانيين.

منذ شهر وعون يعبئ أنصاره ويطلب منهم النزول إلى الشارع عندما يعطيهم الإشارة، والقضية التي جعل منها عون عنواناً لتحركه من أجل أن تشكّل عاملاً حيوياً للتعبئة هي «حقوق المسيحيين المسلوبة»، فهذه القضية تثار في الوسط المسيحي منذ 25 عاماً أي منذ عام 1989 عندما أبرم اتفاق الطائف في المملكة العربية السعودية، حيث تمّ تقليص بعض صلاحيات رئيس الجمهورية، وما أخذ من هذه الصلاحيات تمّت إضافتها إلى مجلس الوزراء، وذلك للحدّ من هيمنة المسيحيين وتحديداً «الموارنة» على السلطة المستمرة منذ 1943، ووقتها قيل في هذه الصيغة الجديدة أي «إتفاق الطائف» أنها صيغة «لا غالب ولا مغلوب»، وهي لتأكيد مشاركة حقيقية في السلطة، ولكن من تعوّد على «الهيمنة» والاستفراد بالسلطة يرى في أي تنازل من سلطاته لحساب الشركاء أنه «خسارة». العقلاء من المفكّرين والسياسيين المسيحيين يرون أن مرحلة ما قبل الطائف أي «الجمهورية الأولى» ذهب المسيحيون فيها بعيداً في استفرادهم بالسلطة وهذا كان خطأ تاريخياً يأملون أن لا يتكرر من قبل الطوائف الإسلامية الآن، لأن هذا لا يخدم «الميثاقية ولا العيش المشترك ولا استقرار البلد..».

ميشال عون الوحيد من القيادات المسيحية في لبنان لم يذهب إلى هذه الرؤية الوطنية العقلانية، فذهب إلى اللعب على «الوتر الطائفي» وتحريك العصبيات الضيقة عندما وجد نفسه بعد عقد حلفه مع حزب الله عام 2006 عاجزاً من الوصول إلى موقع رئاسة الجمهورية، وهو لغاية الآن لم يقتنع أن رئيس الجمهورية، نظراً لرمزيته ودوره لا يمكن أن يكون طرفاً، ومن الصعب انتخاب أي مرشّح داخل أي اصطفاف رئيساً، المرشح سمير جعجع توفّرت لديه هذه القناعة وقدّم مبادرة تقضي بأن يسحب هو وميشال عون ترشيحهما من أجل التوافق على مرشّح من القوى الوسطية.

خلال الشهرين الأخيرين سعى عون مستعيناً بحليفه «حزب الله» لفرض صهره العميد شامل روكز قبل إحالته على التقاعد (في تشرين أول المقبل) قائداً للجيش وذلك قبل انتهاء خدمة قائد الجيش الحالي بثلاثة أشهر، وعندما تمّ رفض طلبه في مجلس الوزراء ومن القوى السياسية أعلن عزمه على استخدام الشارع للضغط على مجلس الوزراء وعلى القوى السياسية وهذا ما حصل أول أمس.

والسؤال هل تحقق لعون مطلبه الذي أعلنه منذ أسبوعين أن لا قرارات في مجلس الوزراء قبل تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش؟

الحقيقة والوقائع تُشير إلى أن ما قام به عون كان حركة فاشلة لم تحقق هدفها المعلن، والوقائع تؤكد التالي:

أولاً: إن مجلس الوزراء في جلسته يوم الخميس في الثاني من الشهر الجاري رفض بحث موضوع التعيين بحجة أن الوقت غير مناسب لأن قائد الجيش الحالي ما زال في الخدمة وأن تعيين قائد جديد للجيش هو من أولى مهام رئيس الجمهورية ولا يجوز فرض قائد الجيش على الرئيس المقبل، وفي ذات الوقت اتخذ مجلس الوزراء (بالأغلبية) قراراً بصرف 22 مليون دولار لدعم الصادرات الزراعية (عون لم يعترف بالقرار وهدّد وتوعّد إذا لم يلغ..!!). القرار أصبح نافذاً لدى وزارتي المال والزراعة.

ثانياً: في جلسة مجلس الوزراء أول أمس رغم الافتعال السخيف من جبران باسيل لإشكال أمام وسائل الإعلام مع الرئيس تمام سلام، إلا أن مجلس الوزراء رفض بحث التعيين، واتخذ قراراً بدعم الاستشفاء، خلافاً لتهديدات عون وتظاهراته.. كما رفض بحث آلية اتخاذ القرارات في غياب رئيس الجمهورية.

من جهة ثانية أطلّ عون ووزراؤه ليعلنوا:«اليوم حققنا مطلبنا وما نريد..»، والحقيقة لم يعلن أي منهم ماذا حققوا في مجلس الوزراء، فرغم تهديدهم وسعيهم لتعطيل مجلس الوزراء، فمجلس الوزراء لم يبحث بتعيين قائد جديد للجيش، وأقرّ أحد البنود المدرجة على جدول الأعمال.. خلافاً لتهديد عون وإنزاله بعض أنصاره إلى الشارع.

إن الفشل الذي حصده عون وفريقه شكّل صدمة له انعكست عليه أثناء مؤتمره الصحفي بعد ظهر أول أمس، فالرجل ظهر متوتراً ومرتبكاً، خاصة وأن حلفاءه لم يساندوا لا تحركه ولا مطالبه، فحزب الله تعامل مع حركة عون بعناية شديدة فهو «أمسك بالعصى من نصفها»، دعمه سياسياً من الناحية الشكلية وتخلى عنه عملانياً في مجلس الوزراء وفي الشارع وهكذا تصرّف بقية الحلفاء، فالحزب لا يستطيع مجاراة عون في كل شيء وهذا ما أكده أمس السيّد حسن نصر الله..

والسؤال هل خذل الشارع المسيحي ميشال عون الذي يطالب بحقوق المسيحيين؟

الحقيقة أن الشارع المسيحي غير مقتنع بأن حقوق المسيحيين هي في انتخاب عون رئيساً وتعيين العميد روكز قائداً للجيش وفي أن يكون صهره الأصغر وزيراً للخارجية، فحقوق المسيحيين تتأكد في انتخاب رئيس للجمهورية وليس في تعطيل انتخابه ولا ببحث آلية اتخاذ القرارات في غيابه..

لذلك أول أمس سارت الريح بما لا تشتهي سفن عون..