IMLebanon

رجولة سياسية لعهدٍ ولّى؟

لعلّ ما يثير الاستهجان أنّ الرئيس السابق ميشال سليمان قرأ بالمقلوب المقالَ الأخير الذي كتبته «الجمهورية» عنه تحت عنوان «سليمان غير الحكيم» إذ تجاهلَ ما احتواه من توصيف لبعض «مآثره»، قائلاً لبعض أصدقائه إنّه ليس هو المقصود في المقال، وإنّما نائب رئيس الحكومة ووزير الدفاع سمير مقبل، لمشكلةٍ بينه وبين مالكي «الجمهورية».

إنطلاقاً من هذه الواقعة يمكن الاستدلال إلى الطريقة التي كان يفهم فيها سليمان الأشياء والقضايا عندما أدارَ الجمهورية في بعبدا، إذ يبدو أنّه كان يتعاطى بفهمٍ قاصر أو منقوص أو محرّف وفق ما يريد وليس وفق الواقع والمعنى، وهو بهذا الفهم لمقال «الجمهورية» ينفض يده من شريكه مقبل الذي «أقبلَ» عليه بكثير من «النِعَم»، مثلما نفضَها ممّن أحسَنوا إليه في الرئاسة، متناسياً نِعمَهم عليه وأفضالهم.

على أنّ مجرّد ظهور سليمان في الاحتفالات الرسمية، وقد أطلّ في بعضها أخيراً، أصبح ظهوراً مستفزّاً لشريحة كبيرة من اللبنانيين، خصوصاً بعدما خرج من الحياة السياسية بمفاهيم أكّدت الانقسام والاختلاف حول دوره، علماً أنّ دخوله على خط الأحداث بعد خروجه من الرئاسة لم يعُد له مبرّر موضوعي، حيث ان لا زعامة شعبية ولا مسيحية له، وهناك قراءة متناقضة لدوره في الفترة الأخيرة، فضلاً عن أنّ كلّ ما بشّر به خلال المرحلة الأخيرة من عهده من إنجازات وعناوين كبرى تبخّرَ من التداول السياسي الى درجة أنّ أحداً لا يتحدّث عن «إعلان بعبدا» الذي بات بالكاد يُذكر في سياق الاحداث، وهذا يثبت في نظر المنتقدين له أنّ الخشب أكثر بقاءً من الذهب وأكثر مقاومة للأحوال والعواصف السياسية وليس فقط للأحوال الجوّية.

قد يكون سليمان يُعزّي النفس بوجود 3 وزراء من إرث عهده الذي ولّى يذكّر الناسَ من حين الى آخر بأنّه موجود في السياسة حينما يستدعيهم ويترأس عليهم اجتماعات يعلن عنها في الإعلام، الى درجة انّ بعض الخبثاء يتساءل عن الصفة الرسمية التي تجعل رئيساً سابقاً لم تعُد له صفة سياسية مباشرة يترأس اجتماعات على ثلاثة وزراء هم في موقف الفعل الرسمي، علماً أنّهم دخلوا الى الحكومة ممثّلين لرئيس قائم وليس لرئيس سابق.

ويرى هؤلاء الخبثاء أنّ مفاعيل هذا الربط بين سليمان وبين وزرائه قد انتفَت منذ لحظة مغادرته قصر بعبدا، خصوصاً أنّه لا يملك كتلة نيابية رشّح من خلالها وزراء إلى الحكومة، وهذا بالتالي جزءٌ من بِدع السياسة اللبنانية وخُرافاتها.

أمّا الأهم في الذاكرة فهو أنّ الانقسام في الفترة الأخيرة حول الرئيس وأجندتِه وأولوياته قد خفَّ كثيراً بعد مغادرته بعبدا إلى درجة أنّ الوئام داخل الحكومة السلامية أصبح أكثر انسجاماً بعد انتهاء ولايته ممّا كان قبله.

أمّا الهبات والوعود ومعلّقات الشكر التي ودّعنا فيها سليمان فيتساءل الخبثاء خصوصاً عن هبة المليارات الثلاث التي سبقتنا منها الروائح الكريهة قبل أن تصل الهبة، علماً أنّ الطبّاخين حول سمسرات هذه الهبة التي تسبق بأهمّيتها الهبة في حدّ ذاتها تفوح منها روائح كريهة ومعلومات متداولة عن نزاع على تنافس «الكوميسيونات» العالية الى درجة أنّ أحد المحسوبين على سليمان ووزيره السيادي يقاتل للحصول على صفقة زوارق سريعة تؤمّن لهؤلاء الثلاثة قيمة عالية من خارج الكومسيون المعلن.

والخلاصة السياسية التي يمكن فيها إيجاز أوّل مئة يوم على انتهاء الولاية، وعادة يحاكم على أوّل مئة يوم من بداية الولاية، فيبدو أنّ الخروج الإشكالي لسليمان من بعبدا كان برداً وسلاماً على الحياة السياسية، على رغم جرعات رفع المعنويات التي تحقن في عروق ذاكرة العهد المنصرم في محاولة يائسة لإعطائه شرعية سياسية ما بعد خروجه من بعبدا.

لكن على رغم كلّ هذه المنشّطات يبدو أنّ مفاعيل عمليات التنشيط لم تؤتِ أُكُلها في إثبات فعل الرجولة السياسية للعهد الذي ولّى، خصوصاً أنّ أيّ معايير يمكن أن تثبِتَ عكس ذلك من انتخابات نيابية أو غيرها ليست موجودة في الوقت القريب، ولم نرَ في مرشّحي كسروان أو جبيل أخيراً ما يُقرِئنا حماسةً رئاسية في إثبات شعبيته المسيحية في ظلّ لعبة الأربعة الكبار التي تطغى على المشهد.

وأكثر من ذلك فإنّ عدم الترشّح ولو الرمزي في كسروان أو جبيل يُثبت عجزاً لدى سليمان في القدرة على إشهار أيّ رسالة تحَدّ في وجه زعامة العماد ميشال عون في مثلّث المتن ـ كسروان ـ جبيل.