IMLebanon

إمكانيّة الخروج من النفق

 

 

تتفاعل الأزمة اللبنانيّة يوماً بعد يومٍ، والمصلحة العامّة باتت مرهونة بقرارات بعض الجماعات، منها مَن هم حديثو الولادة السياسيّة، ومنها مَن هم مخضرمون، ومِنها مَن هم مُعتَّقون. وبين هذه الفئات الثلاث يترنّح لبنان في سقوطه صوب جهنّم على وقع تصاعد الخلافات الترسيميّة حول ثروة نفطيّة وغازيّة إن قُدِّرَ للبنان استخراجها فهو حتماً سيصبح من أغنى البلدان. إلا أنّ ذلك كلّه مرهون بالبعدين الإقليمي والدولي حيث نجحت هذه المنظومة بربط لبنان في الإقليم من دون أن تجعل من قضيّته قضيّة دوليّة. فهل من إمكانيّة لخروج لبنان من هذا النفق المظلم مع هذه الفئات السياسيّة الثلاث التي باتت تفرض تحكّمها بأسس الحكم؟

 

ممّا لا شكّ فيه أنّ الملفّ اللبناني اليوم سيتحوّل إلى أولويّة دوليّة بغضّ النّظر عن أنّ المجتمع الدّولي منهك بالأزمة الأوكرانيّة وبملفّ إيران النووي وما تقوم به الهند والصين مع روسيا في الاستفادة من غازها الذي تمّ حجبه عن القارّة العجوز. هذه القارّة التي باتت بأمسّ الحاجة إلى رافد لها بالغاز الطبيعي لا سيّما بعد تحكّم القيصر الروسي بتدفئتها وبصناعتها لا بل قل بأدقّ تفاصيل حياة الأوروبيّين اليوميّة. لذلك كلّه، سيكون غاز شرقي المتوسّط هو المتنفَّس الجديد لأوروبا والعالم.

 

من هنا، سيدخل لبنان من جديد بوّابة الاهتمامات الدّوليّة. وسيكون ذلك بعد الانتهاء من تكوين السلطة الفرنسيّة من جديد لذاتها بعد انتهائها من ملفّ الانتخابات التشريعيّة وتكوين السلطات فيها. لذلك، على اللبنانيّين اليوم الإدراك بأنّ كلّ تأخير في إعادة تكوين السلطة التنفيذيّة في لبنان، سيشكّل خدمة للعدوّ الإسرائيلي الذي يرى نفسه في سباق هيدرواستراتيجي مع الدّولة اللبنانيّة المهترئة. والرابح في هذا السباق سيكون هو سويسرا الشرق، وسيلعب مستقبلاً دور البلد الرسالة والمختبر بين الحضارات.

 

ولبنان حتّى الساعة لم يدخل في هذا السباق بعد. لكنّه يستطيع استلحاق نفسه إن اقتنع الفرقاء السياسيّون فيه بضرورة التعالي عن حسابات إثبات الذات أو المحاصصات التي لم تفضِ سوى إلى إفقار وقهر وتحطيم اللبنانيّين. لذلك، المطلوب فوراً، اليوم اليوم وليس غداً، من السياديّين والتغييريّين والمستقلّين أن يعلنوا تعاونهم في الموضوع الحكومي بالحدّ الأدنى إن تعذّر تشكيلهم جبهة دستوريّة – سياديّة – سياسيّة بوجه منظومة الفساد والمنظمة المسلّحة؛ بغضّ النظر عن الضرورة الوجوديّة لتشكيل هكذا جبهة في هذه المرحلة. لكن علينا العمل بالمستطاع وبالمقدور أوّلاً كي لا نخسر المومنتم الذي تمّت صناعته في انتخابات 15 أيّار.

 

وإذا نجح هذا الفريق بتحقيق هذا الخرق فذلك يعني عمليّاً وضع لبنان من جديد على خارطة الاهتمامات الدوليّة. وهذا ما سيدفع باتّجاه انتخاب رئيس جمهوريّة مقبول إقليميّاً ودوليّاً لمواكبة المرحلة القادمة. وعلى ما يبدو إنّ قناعة التحالف في الموضوع الحكومي تكبر أكثر فأكثر كي لا يكرّر الفريق المعارض الخطأ نفسه الذي ارتكبه في انتخابات رئاسة المجلس ونيابة الرئيس واللجان. فالخطأ هذه المرّة سيكون استراتيجيّاً وسيؤدّي إلى إضعاف مجرّد فكرة المعارضة لهذا النهج المحاصصاتي الذي قامت عليه القيامة في 17 تشرين. وهذا ما سينتج المزيد من العزلة الدوليّة للبنان، ما يعني حتماً المزيد من الغرق.

 

وليعلم مَن تراوده مجرّد فكرة أن يرضخ للمحاصصة التي يقودها العهد بأنّ مصيره سيكون تماماً كمصير الذين يدّعون الإصلاح وسيف العقوبات الدوليّة مصلت على رؤوسهم. إمكانيّة الخروج من النفق ممكنة إذا تمّت المواجهة بشكل صحيح لأنّ المنطقة قادمة على تغييرات مصيريّة سوف لن تكون لمصلحة كلّ دعاة الزعزعة ونشر فكرة الدّولة الرديفة في قلب الدولة الحقيقيّة. وبالمواجهة وحدها نستطيع أن نجعل من القضيّة اللبنانيّة قضيّة دوليّة لأنّ ما من أحد مستعدّ أن يضحّي من أجل لبنان البلد المضطرب، وعلى حدوده دولة عدوّة استطاعت أن تفرض الاستقرار بقوّة سلاحها الشرعي؛ بينما السلاح غير الشرعي في لبنان أدّى إلى دمار الدّولة اللبنانيّة، وجعلها غير مستقرّة، وغير قابلة للحياة لأنّه أفقدها السيادة.

 

ومن البديهي أن يختار المجتمع الدّولي الدولة السيّدة التي تملك حصريّة السلاح على الدولة غير السيّدة والتي فيها سلاح غير شرعي. هذه هي الحقيقة المرّة، ومَن لم يدركها بعد لن يتمكّن من أن يستقلّ قطار الحضارات في العالم الجديد!