IMLebanon

الخوف من الحرب… يُثقل “تفاهم مار مخايل”

 

لا جدل حول اعتلال تفاهم مار مخايل. الأرجح أنّه أنهى مخدوميته، وبات على مسافة أمتار من بلوغه السنّ القانونية. منذ خروج العماد ميشال عون من قصر بعبدا، صار لعلاقة «التيار الوطني الحر»- «حزب الله» اعتبارات أخرى لم تكن في السابق في قائمة الأولويات، وقد حتّمت طبيعة مختلفة لمقاربات كلّ فريق.

 

حالياً، يخوض جبران باسيل، ومعه بطبيعة الحال الرئيس عون، معركة حياته أو موته السياسي. هوية رئيس الجمهورية المقبل، ستحدث الفرق، كلّ الفرق. ولهذا يرفض رئيس «التيار الوطني الحر» الانخراط في تسوية فيها شيء من المخاطرة. فإمّا يربح ما تبقى من عمره السياسي اذا ما أصابت ورقة «يانصيبه» وتمّ انتخاب رئيس يكون له فيه ما يكفيه من «الاوكسيجين»، من دون أن يشكّل أي خطر على مصيره… وإمّا المستقبل برمّته يصير على المحك.

 

يحتاج جبران باسيل للكثير من الحظّ ليسعفه في لحظة المتغيّرات الاقليمية التي تشهدها المنطقة، وهي التي تكاد تكون انقلابية بنتائجها وتداعياتها. لا أحد يعلم طبيعة «اليوم التالي» أو مقتضياته، والذي يُرسم بلغة الحديد والنار. ولذا تراه لا يستكين ولا يهدأ في حركته، تارة بفتح أبواب الحوار والمبادرات، وطوراً برفع سقوف المواقف والتنبيهات. وكلها تنمّ عن خشية مما ستحمله الأيام المقبلة، بعدما وضع الملف اللبناني بجانبه السياسي في ثلاجة الانتظار، بانتظار أن يفرج الجانب الأمني عن مخارجه.

 

في المقابل، وحتى اللحظة لم يقفز «حزب الله» إلى ضفّة الاستغناء عن «خدمات» تحالفه مع «التيار الوطني الحر». لم يقلها، ولم يتصرّف بشكل واضح وعلني يشي بأنّه حسمها. ولكن كلّ سلوكه بعد 31 تشرين الأول يؤشر إلى أنّه يسير على هذا الدرب. ثمة عطب بنيوي أصاب التفاهم. متطلبات رئيس «التيار» لم تعد موضع التقاء مع أجندة «الحزب». والأرجح أنّ الأخير يعتبر أنّه أدى «قسط ديونه» بمجرد خروج ميشال عون من القصر، ومن بعدها صفحة جديدة بقواعد مختلفة.

 

هذا لا يعني أنّ «حزب الله» بصدد قطع العلاقة مع «التيار» أو تسوية وثائق الطلاق، ويفضّل عدم زركه في هذه الزاوية. لكن الحليفين يدركان أنّ هوية رئيس الجمهورية المقبل هي التي ستحدد مستقبل العلاقة وطبيعتها: هل سيستبدل «حزب الله» تفاهم مار مخايل بتفاهم جديد مع الرئيس المقبل؟ أم أنّه سيعيد صياغة تفاهمه مع باسيل طالما أنّ لا بديل مسيحياً عنه؟ كلها أسئلة مرتبطة بطبيعة «اليوم الرئاسي التالي».

 

وعلى هذا الأساس، لا تزال سياسة الاسفنجة هي السائدة حتى لو بلغ الأمر الخطوط الحمر المتصلة بالاستراتيجيات، مع العلم أنّها ليست المرة الأولى التي ينتقد فيها باسيل سلوك «حزب الله» على الحدود الجنوبية، معلناً رفضه «وحدة الساحات واستخدام لبنان كمنصة هجمات». اذ بعد أسابيع قليلة من بدء الحرب، وتحديداً في 30 تشرين الأول الماضي أعلن صراحة أنه «لا يجب جر لبنان إلى مكان لا مصلحة له فيه»، مشدداً على أنّ «من واجب اللبنانيين منع انزلاق لبنان إلى الحرب، ولكن في الوقت نفسه لا نريد جره الى الهزيمة، واذا فرضت علينا الحرب فسنواجهها».

 

في الواقع، لا جديد قد يستدعي هذا الصوت العالي في الرفض الحاسم من جانب الفريق العوني، إلّا التطورات العسكرية التي تنذر بمزيد من التصعيد الذي قد لا يسلم منه لبنان. الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحرب، مع دخول رفح، قد يرتّب توسيع دائرة الأعمال العسكرية التي تدور على الرقعة الجنوبية. احتمال يرتفع منسوبه يومياً بشكل يهدد الاستقرار الداخلي الهشّ. وهو سيناريو يخشى أن يتحمّل باسيل تبعاته السياسية من باب التصاقه بتفاهم مار مخايل خصوصاً وأنّ الظروف لم تعد شبيهة بظروف 2006. والأهم من ذلك جبران باسيل ليس ميشال عون، ولن يكون باستطاعته التصدي لحملات الانتقاد التي سيتعرض لها في حال وقعت فعلاً الحرب الكبيرة.

 

ولهذا، يفضّل باسيل أن يرسم «زيحاً» بينه وبين اندفاعة «حزب الله» في خوض معركته العسكرية لا سيما وأنّ هذا الخطّ الفاصل قد يشكل مزيداً من الضغط على «الحزب» علّه بذلك يعيد حساباته الرئاسية ليأخذ بالاعتبار مطالب رئيس «التيار» مع العلم أنّ الجمود يسيطر على الملف برمته رغم ضغط الدول الغربية وإصرارها على إنجاز الاستحقاق.

 

اذ تبيّن حركة الموفدين الغربيين أنّ كلّ همّ الدول المعنية لا سيما الأوروبية ينصب على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس لكي يكون «لبنان الرسمي» الى طاولة المفاوضات بعد انتهاء الحرب، وهي حاصلة حكماً، خصوصاً اذا ما وضع ملف الحدود الجنوبية على المائدة. أمّا غير ذلك، فالرئاسة مركونة على الرفّ. حتى أنّ اللجنة الخماسية غرقت في مستنقع الخلافات وتكرار المحاولات لإحداث خرق والتي اصطدمت جميعها بحائط مسدود.

 

من هنا، لا يمكن التعويل على الحراك المنتظر لسفراء الخماسية والذي قد يقتصر في الوقت الراهن على لقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، فيما الاجتماع على مستوى أعلى، غير محدد الموعد، كما زيارة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان. حتى أنّ مسوؤلاً بارزاً لم يتوان عن وصف حال الخماسية بأنّها باتت تشبه الوضع اللبناني بتعقيداته وخلافاته، وباتت بحاجة إلى لجنة خماسية تتولى إصلاح أحوالها.