IMLebanon

14 آذار تُساعد عون في معركته الرئاسية!

تمسُّك 14 آذار الوزارية المسيحية بالآليّة الحكومية التي أقرَّت صيغة الإجماع باتّخاذ القرارات سيؤدّي إلى تسريع إنهاء الشغور الرئاسي، في ظلّ المخاوف من أن يؤدّي التعطيل المتمادي إلى تمدّد الفراغ وتفاقم الأزمات وتسَرّب الإرهاب، وبما أنّ الخيار هو بين الفراغ والعماد ميشال عون، فسيشكّل انتخابُه مخرجاً لإعادة انتظام المؤسسات وتثبيت الاستقرار.

الأولوية الدولية بالنسبة إلى لبنان هي الاستقرار، لا السيادة ولا الاستقلال، ولا حتى هوية الجهة التي تؤمّن هذا الاستقرار، على غرار ما كان عليه الوضع إبّان الوصاية السورية على لبنان. ويكفي في هذا المجال العودة إلى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي حظيَت بالدعم الدولي، على رغم معرفة المجتمع الدولي بطريقة تأليفِها ودور «حزب الله» في هذا التأليف بعد انقلابه على حكومة الرئيس سعد الحريري.

وفي موازاة حاجة «حزب الله» إلى تأليف حكومة الرئيس تمّام سلام من أجل أن تتكفّل في مواجهة الإرهاب الذي دخل إلى صميم بيئته، لعبَ المجتمع الدولي دوراً أساسياً في الوصول إلى هذه اللحظة من أجل تجنيبِ لبنان الانزلاقَ نحو الفوضى التي تحَوّل الحربَ السورية إلى حرب إقليمية وتهَدّد أمنَ إسرائيل.

وقد تحَوّلت الأولوية الدولية المتّصلة باستقرار لبنان إلى أولوية مطلقة اليوم بعد انفلاش «داعش» وما تشَكّله من تهديد للاستقرار اللبناني، حيث إنّ التوافق السياسي يُشكّل مظلّة أمانٍ تُتيح للجيش اللبناني أن يقوم بدوره على أكمل وجه بعيداً من التجاذبات السياسية والطائفية والمذهبية اللبنانية التي لطالما كبَّلت هذا الجيشَ وحالت دون ممارسة دوره، خصوصاً أنّ الأشهر التي تَلت تأليفَ الحكومة أظهرَت أنّ الجيش قادرٌ على حماية الحدود والداخل وتثبيت الاستقرار.

وعليه، لولا شعور جميع القوى الداخلية والخارجية بأنّ عدم تأليف حكومة سيُدخِل لبنان في المجهول واستطراداً الحرب، لما تألّفَت حكومة سلام، وبالتالي في حال لمسَت أطراف الداخل والخارج التي كانت وراءَ التأليف أنّ الوضعَ في لبنان يتّجه بسبب الفراغ الرئاسي إلى خربَطة الترتيب القائم، ستضع كلَّ جهدها لانتخاب رئيس جديد.

وللتذكير بأنّ هناك مَن سعى لتأخير التأليف إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية خشية مِن أن تتراجع الهمّة الدولية بعد استتباب الوضع من خلال الحكومة، وهذا تحديداً ما حصلَ، حيث تراجَع الاهتمام الدولي بانتخاب رئيس جديد، وتحَوّل إلى مواقف لفظية وتذكيريّة لا عمَلية.

وعلى رغم المخاوف المسيحية الـ 14 آذارية من التطبيع مع الفراغ وتحويل الحياة السياسية إلى طبيعية من دون رئيس الجمهورية، وتعويد الناس على الحُكم من دون الرئاسة الأولى، إلّا أنّ الضغط في هذا الاتّجاه يجب أن يكون مدروساً ويأخذ في الاعتبار التوازنات المحَلّية والخارجية وأولوية المجتمع الدولي في هذه المرحلة، وذلك كي لا يفضي هذا الضغط إلى انتخاب عون رئيساً.

ويبدو أنّ العماد عون الذي فشلَ في تحريك المجتمع الدولي من خلال حرب التحرير في العام 1989 من أجل انتخابه بفعل توازنات تلك المرحلة، سينجح هذه المرّة بمساعدةِ أخصامِه في 14 آذار بالوصول إلى بعبدا، حيث سيَضع المجتمع الدولي، مدعوماً من «حزب الله»، أمام خيار من خيارَين: إمّا انفراط الاستقرار الذي بدأ يهتزّ بفعل الشغور والخَلل الحكومي، وإمّا انتخابه رئيساً.

ولن يتردّد هذا المجتمع بالذهاب نحو الخيار الثاني، خصوصاً أنّ عون يقدّم نفسَه بأنّه الأقدر على إدارة التوازن بين السُنّة والشيعة، واستطراداً «المستقبل» و«حزب الله»، وبالتالي الحفاظ على المعادلة التي نشَأت مع تأليف الحكومة والتي كادت تنهار بفعل الفراغ الرئاسي.

فعرقلةُ أعمال الحكومة من باب الآليّة سيُعيد الهمّة إلى المجتمع الدولي الذي سيتحرّك لإنقاذ الوضع من الباب الرئاسي. وقد يقول قائل إنّ تحريك الوضع لا يعني تلقائياً وصولَ عون، وهذا الكلام صحيح، إلّا أنّ حظوظه هي الأكبر في ظلّ الموقف الأميركي والأولويات الدولية والتعقيدات الإقليمية والظروف المحَلّية.

ومن هنا، الضغط لانتخاب رئيس من باب تعطيل النظام وتجميده يقدّم خدمةً مجّانية لعون، فيما أيّ ضغط يجب أن يتركّز على إزاحة عون، وليس على تعزيز فرَص وصولِه. ومن ثمّ، على رغم أهمّية انتخاب رئيس، إلّا أنّ السعيَ هو لانتخاب أيّ رئيس، أم انتخاب الرئيس الذي يجسّد توازنات المرحلة ومتطلّباتها؟.

وتأسيساً على ما تقدَّم، من مصلحة مسيحيّي 14 آذار التقاطع مع الآليّة التي يطرَحها سلام على قاعدة أكثرية الثلثَين والتي تُبقي العنوان الرئاسي في الواجهة، بدلاً من جَرّ البلاد إلى فوضى دستورية تجرّ إلى فوضى أمنية وتفتح الباب أمام وصول عون.

ويبقى أنّ أهمّية الحوار القواتي-العوني ليس بالاتفاق على انتخاب عون رئيساً، لأنّ انتخاب عون هو نتيجة، فيما الأهمّ والأساس يكمن في بُعدين: بُعدٍ ماضَويّ عبر إقفال صفحة الاقتتال في النفوس قبل النصوص. وبُعد مستقبلي من خلال الاتّفاق على رؤية مسيحية-وطنية مشترَكة أولويتها تثبيتُ الوجود الديموغرافي المسيحي، وتفعيل الحضور المسيحي السياسي في السلطة، وإعادة الاعتبار للدور المسيحي الريادي.

وإذا كان الحوار القواتي-العوني يشكّل مدخلاً لتحقيق هذين البعدين، فإنّ الانتخابات الرئاسية تصبح عنصراً مكمّلاً، فيما طرحُها كأساس وهدف بمعزل عن البُعدين المذكورين، يعني أن لا نيّات جدّية في إخراج المسيحيين من واقعهم المأسوي، وأنّ الهدف سلطويّ، لا بنيوي…