IMLebanon

هل تعمل اللجنة الوزارية لضمان حقوق لبنان في ترسيم الحدود البحرية؟

 

د. علي محمود الموسوي

عاد ملف الحدود البحرية بين لبنان وقبرص إلى الواجهة مجدداً، مع تقارير تشير إلى أنّ اللجنة الوزارية المختصة، اعتمدت مقاربة سريعة قد تُضيّع على لبنان آلاف الكيلومترات المربّعة من مياهه الاقتصادية الغنية بالنفط والغاز. وهذا ما أثار اعتراضات واسعة لدى خبراء وقانونيين ونواب، معتبرين أنّ ما يجري يشكّل خطراً مباشراً على الحقوق السيادية اللبنانية، ويعيد إلى الأذهان خطايا اتفاق 2007.

ـ الخطيئة الأولى: اتفاق 2007

في مطلع 2007، وُقّع بالأحرف الأولى اتفاق لترسيم الحدود بين لبنان وقبرص. إعتمد الاتفاق حصرياً على «خط الوسط»، متجاهلاً الفوارق الجغرافية وطول السواحل، ما كبّد لبنان خسارة بين 2600 و5000 كلم². الأخطر أنّ قبرص استندت إلى الاتفاق لتوقيع اتفاقية مع إسرائيل، حارمة لبنان 865 كلم² لعشر سنوات كاملة، قبل أن تُستعاد في اتفاق الترسيم مع إسرائيل عام 2022.

 

ـ القانون الدولي ومنهجية الإنصاف

لم يعد خط الوسط قاعدة نهائية في القانون الدولي. فالمحاكم الدولية اعتمدت منذ الثمانينات منهجية قائمة على:

1. رسم خط وسط موقت.

2. تعديله وفق الظروف الخاصة (الجزر، التعرجات، تفاوت أطوال السواحل).

3. اختبار النتيجة النهائية وفق مبدأ التناسب (Proportionality test).

هذه المنهجية تصبّ في مصلحة لبنان، إذ إن ساحله المقابل لقبرص أطول وأكثر استقامة، ما يمنحه حصة إضافية عادلة.

 

ـ لجنة 2025: إستعجال وتفريط

تبنّت اللجنة الوزارية عام 2025 وجهة نظر ضيّقة، معتبرة أنّ لبنان لا يستطيع المطالبة بأكثر من خط الوسط، ومتجاهلة دراسات الجيش اللبناني ومصلحة الهيدروغرافيا. الأخطر أنّها احتسبت طول الساحل القبرصي عبر إدخال تعرجات ورؤوس بعيدة لا تُعتبر من «السواحل ذات الصلة»، وهو ما يخالف الأعراف الدولية.

 

ـ طريقة ثيسن: أداة تقنية لا تكفي

طُرحت أحياناً طريقة ثيسن (Thiessen polygons) كأداة تقنية لرسم خطوط متساوية البعد. هذه الطريقة توفّر مقاربة هندسية أولية، لكنها لم تُعتمد رسمياً لترسيم الحدود البحرية في القانون الدولي، لأنّها لا تراعي الظروف الخاصة ولا التناسب، بل تقتصر على الحسابات الجغرافية.

 

ـ سوابق دولية مشابهة

تُبرز القضايا الدولية التي عالجتها محكمة العدل الدولية أو هيئات التحكيم، كيف يمكن للبنان أن يستفيد من السوابق:

 

• فرنسا ـ بريطانيا (1977): قضية جزر القنال الإنكليزي، حيث حدّدت المحكمة الجرف القارّي لهذه الجزر بـ 12 ميلاً بحرياً، وبهذا تكون قد أثبتت أنّ حقّ هذه الجزر لا يتجاوز مسافة البحر الإقليمي، وبالتالي حقّ فرنسا كبلد ساحلي قارّي مقابل مجموعة جزر.

• ليبيا ـ مالطا (1985): اعتبرت المحكمة أنّ طول ساحل ليبيا (1870 كم) مقابل مالطا (48 كم) عنصراً حاسماً، فعدّلت خط الوسط لمصلحة ليبيا.

• اليمن ـ أريتريا (1998): حدّدت المحكمة الجرف القارّي لكلا الدولتين من دون احتساب أي تأثير لجزر «حنيش»، ولم تعتمد المحكمة خط المنتصف لتقاسم المساحة المشتركة بينهما.

 

• قطر ـ البحرين (2001): اعتمدت المحكمة خط الوسط كأساس، ثم عدّلته لضمان التوازن.

• رومانيا ـ أوكرانيا (2009): اعتمدت المحكمة خط الوسط الموقت ثم تجاهلت تأثير «جزيرة الأفعى»، لأنه يخلّ بمبدأ التناسب، فكانت النتيجة توزيعاً أكثر عدلاً.

• بنغلاديش ـ ميانمار (2012): لجأت المحكمة إلى منهجية ثلاثية (خط وسط موقت-تعديل-تناسب) بسبب تقعر ساحل بنغلاديش، ومنحتها مساحة إضافية تعكس طول ساحلها.

 

• غانا ـ ساحل العاج (2017): أكّدت المحكمة الخاصة لقانون البحار أنّ اختبار التناسب خطوة أساسية بعد رسم الخط لضمان عدالة النتيجة.

تثبت هذه السوابق أنّ المحاكم الدولية لا تُلزم بخط الوسط وحده، بل تجعل منه مجرد نقطة انطلاق قابلة للتعديل بما يحقق الإنصاف.

 

ـ الخبراء يدقّون ناقوس الخطر

خبراء لبنانيون، بينهم العميد المتقاعد خليل الجميّل والدكتور عصام خليفة، حذّروا من أنّ اعتماد اللجنة الوزارية على خط الوسط وحده هو «تسليم مجاني» لمصلحة قبرص. ودعا هؤلاء إلى اعتماد مبدأ التناسب وفق أطوال الشواطئ، وهو ما يمنح لبنان ما لا يقلّ عن 2600 كلم² إضافية، وإلى ترسيم الحدود أولاً مع سوريا، قبل أي اتفاق نهائي مع قبرص.

 

ـ التسرّع كخسارة وطنية

ركّزت الاعتراضات النيابية والسياسية على أنّ التسرّع في الترسيم يثبّت خسارة لبنان لموارده البحرية. بينما أي لجوء إلى التحكيم الدولي يمنح لبنان فرصة قوية، خصوصاً أنّ الأرقام وحدها تكشف حجم ما قد يُنتزع من ثرواته، بما يعادل مليارات الدولارات من الغاز والنفط. وقد ذُكر أنّه نتيجة هذه الاعتراضات، فقد أعادت جهة لبنانية رسمية النظر مجدداً في ملف الترسيم البحري مع قبرص، بحيث تستعين بخبراء في المجال النفطي، للوقوف على مدى الخسارة المحققة ضدّ المصلحة اللبنانية، لترفع إلى الجهات المعنية تقريراً علمياً دقيقاً في هذا الشأن إلى السلطة السياسية.

 

وفي المحصلة، إنّ الحدود البحرية ليست مسألة تقنية، بل قضية سيادية بامتياز. وإنّ تجاهل المنهجية الدولية المعتمدة، وتكرار خطأ 2007، يعنيان خسارة أجيال من اللبنانيين لثرواتهم. فالمطلوب هو تعديل المرسوم 6433 بإحداثيات دقيقة، والاستناد إلى السوابق القضائية الدولية التي أثبتت أنّ التناسب هو الحكم الأخير. وإلّا، فإنّ التاريخ سيسجّل أنّ لبنان لم يحمِ ثرواته ولم يستفد منها، وهو بأمسّ الحاجة إليها.