IMLebanon

النفط والغاز والفساد وإلارهاب

 

حاولت منظومة المُمانَعة «المُمانِعة للإنقاذ» المُتهالكة محلّياً واقليمياً بث أجواء كاذبة من البهجة والانتصار لقرب إتمام إتفاقية ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية بين لبنان واسرائيل، وجَهُدت لإضفاء صورة البطولة على حرتقاتها الدرونية، في حين انه لم يكن لهذه الاستعراضات الدور المؤثِّر في الضغط للوصول الى اتفاقية الترسيم، بل جلّ ما كان الهدف منها حشر مصلحة محور المُمانعة لإضافة صفقة مالية ونفوذية واستغلالية مُلحقة بالاتفاق النووي الذي تجري فصول تسريبه الى المنطقة. عوّدتنا المنظومة المُرتبطة حكماً بالارهاب والترويع والترهيب وبالفساد والافساد ان تستخدم كامل امكانياتها لتحويل موارد لبنان لتدعيم سلطويتها، وتفاءلت هذه المرّة باكتشاف مصدر جديد للمال يحلّ مكان التهريب من الخزينة اللبنانية التي فرُغت ونضبت، فراحت تُراهن على حاجة الاسواق العالمية لإكتشافاتٍ نفطية جديدة، مهلّلةً لقدراتها التفاوضية والتهويلية للضغط على المفاوضات لجرِّها الى تسويات جانبية تموّل اقتصادها غير الشرعي وتثبّت نفوذها غير المرغوب.

 

ففي الوقت الذي تراكمت فيه الظروف العالمية والاقليمية المُتفجّرة والحسابات الاقتصادية العالمية المأزومة المترافقة مع هذه الاوضاع غير المُستقرّة لصالح إتمام الاتفاقية الغازية، زادت الحجة الدولية لفرض استقرار عسكري على ساحل البحر الابيض المتوسّط بالسماح بترسيم حدود اقتصادية، تفتح المجال للشركات الدولية للاستثمار في المنطقة والبدء باستخراج اكبر كميات ممكنة من الغاز الذي اصبح مادة حيوية ومُلحّة للاقتصاد العالمي وخاصةً الاوروبي، وشكّل هذا الواقع اولوية عالمية تعلو فوق كافة الحسابات المحلّية والوطنية والانسانية الاخرى. ولو توفّرت هذه الظروف سابقاً لكان لبنان قد بدأ الاستفادة من موارده منذ سنوات مرّت، مع الشرْط البديهي وهو إبعاد يد منظومة المُمانعة عن الملف. حاولت المنظومة قطف ثمار الاوضاع المستجدّة، وهي لا ناقة لها ولا جمل في مجمل المسار الترسيمي، وتدخّلت في المراحل النهائية من المفاوضات التقنية لتأمين وضمان حصّتها من حصّة الشعب اللبناني وخزينته.

 

ولكي تكون الفرحة النفطية لبنانية صرْف، فعلينا كلبنانيين اولاً ان ننظر بعمق في الملفّات النفطية من كل جوانبها، لان الاكتشافات النفطية تترافق دائماً مع خطواتٍ اساسية ان فُقدت احداها او ان لم تُحترم مقتضياتها الصحيحة فتنعكس كوارث على المجتمع والبلد صاحب المورد، وتجرّ معها الارهاب والفساد والموبقات مكان الازدهار والفرج.

 

ان الخطوات اللازمة التي لا خيار للبنان الا احترامها من اللحظة الاولى للبدء بعملية محاولة الاكتشاف النفطي تتمثّل بعقود الحفر وعقود الاستخراج، ومن ثم مشاريع التسييل وعقود النقل وتأمين الاسواق والاهم من كل ذلك قوانين الحفاظ على الثروة في صناديق سيادية حقيقية. وان نجح هذا الاكتشاف وبدأ الاستخراج في السنوات المقبلة فمن الجوهري منع منظومة المُمانعة التي أفلست البلاد من الاستفادة منها لانقاذ نفسها، مما سيُفقد الشعب مورداً جديداً كما افقدته سابقاً جميع الموارد التي كان يتمتّع بها. ولن يضمن الشعب اللبناني مصلحته الا بتشكيل ادارة للنفط كفوءة في أسرع وقت، من هيئاتٍ ناظمة مستقلّة وشركات وطنية بعيدة من المحاصصات السياسية.

 

ومنعاً لخداع انفسنا فلا يُعقل التأسيس لكل ذلك بوجود المنظومة الحاكمة لانها مُمانعة لانشاء الدولة العميقة، جمهورية المؤسسات، فدولةٍ حقيقية تتعارض بشكل كامل مع مسار المنظومة غير الشرعي. فالنفط بدل ان يكون نعمةً للشعوب قد ينقلب نقمةً مع منظومة كهذه، تبحث حالياً عن انجازٍ وهمي تستخدمه في مسلسلها الخداعي، وقد برعت فيه منذ استيلائها على الحكم، ومن قبل، متفوّقةً بخبثها وبمزاياها الشيطانية على عقول الشعب البريء الذي لم يتصوّر يوماً قدرة هذه المجموعة السياسية وتياراتها على ابتداع النفاق والكذب والالاعيب الاستغلالية. تحاول هذه المنظومة مُجدّداً بمنهجيتها التدميرية استغلال حاجات الشعب المُفلِس، بسبب سياساتها، فتحاول تمرير موافقتها على الترسيم بحجة تأمين الاموال له، وبنظرةٍ سريعة على اوضاع الكثير من شعوب الدول النفطية، نرى امثالاً سلبية جداً، حيث يعيش المواطنون في هذه الدول حالات فقر قاسٍ، لان مردودات النفط والغاز تذهب في دولهم الى جيوب النافذين وليس الى مالية الدولة.

 

لم يكن لبنان يوماً بحاجةٍ للنفط والغاز لينعم بالأمان الاجتماعي والمالي، فقد تميّز الشعب اللبناني بنجاحاته الاقتصادية وبقدراته الاستثمارية المزدهرة، ولكن لبنان كان دائماً بحاجةٍ لادارةٍ سياسية حكيمة ورشيدة وشفّافة ومتجرّدة وبعيدة النظر، وتجنّباً لخسارة فرصة جديدة تنهال علينا عالمياً، فيجب التخلّص اولاً من المُمانعة التي تحول دون تجسيد الاصلاح الاداري في كافة قطاعات الدولة والتي ستمنع انشاء قطاع نفطي جدّي في المستقبل، وستحارب بناء خطط علمية رؤيوية.

 

دخل لبنان الى ملف دقيق وضخم لا خبرة له فيه ولا خبراء، دخل لبنان الرسمي في الملف لأجل تأمين حقوقه على حدوده البحرية الجنوبية، ولكن الاطراف الاخرى المعنية بالملف لها حساباتٍ متعدّدة، فاسرائيل التي سبقت لبنان باستثمار آبارها النفطية منذ حوالى 15 سنة، تستفيد من حينها من مردوداتها وتسعى الآن لزيادة انتاجها سريعاً كي تستغل الحاجة الاوروبية الماسّة لهذه المادة الحيوية، ولكن تستغل ايضاً الترسيم الاقتصادي الذي تفاوض عليه لوضع تسوية امنية لحدودها الشمالية تضمن من خلالها الامان والاستقرار والاستمرار في التطور الانتاجي. أمّا الادارة الاميركية فلها حساباتٍ اخرى تتعلّق بالاستحقاق الداخلي المقبل وبالاستحقاق الخارجي الذي تعمل عليه منذ سنوات وهو الملف النووي والتفاهم مع ايران، لما ينعكس اتمام ذلك الآن ايجابياً لصالح الادارة الحالية على الاحصاءات السابقة للانتخابات الجزئية. أمّا ايران التي لا تعير اهتماماً لمصالح الشعوب العربية الخاضعة لنفوذها فحساباتها الاستراتيجية تعلو فوق كل اعتبار، ولن تتساهل في ترك اي ملف يُفتح في المنطقة لوضع سيطرتها عليه ولحصولها على الدور الاساسي فيه، وتركّز اهتماماتها دائماً على تأمين التمويل لمنظماتها المنتشرة في المنطقة والخادمة لتثبيت محورها وتقوية مفاوضها في كافة التسويات والصفقات.

 

دخل لبنان الرسمي الى التفاوض ويداه مكبّلتان في حين ان صاحب القرار عنه همّه تحويل الخيرات المتأتية من النفط والغاز الى اقتصاده غير الشرعي.

 

للشعب اللبناني فرصة جديدة وكبيرة ليحرّر نفسه من كل تلك الحسابات الاقليمية، برفع عنوان واحد، «المصلحة العليا للبنان» التي تُؤمّن فقط بالحياد، وبدل البحث عن رئيس جمهورية بعيد عن الاصطفافات السياسية ومصنف حيادياً في الملفات الداخلية التي لن يستطيع مواجهة الفساد والارهاب والانهيار المترافق مع الغاز والنفط، فعلينا ايصال رئيس يؤمن بحياد لبنان وقادر على مواجهة المؤامرات على بلده، رئيس لديه القدر الكافي من الحنكة والحكمة تخوله لسحب بلاده خطوةً خطوة الى ضفة السيادة والاستقلال والخلاص واسترداد القرار الوطني الحرّ، الذي يسمح له بالدفاع عن موارده وحدوده ومرافقه. هذا هو الحل الحقيقي امّا الباقي فهدر ليس للوقت فقط بل للنفط والغاز ايضاً.