IMLebanon

مهلة أيلول.. تهويلية

 

 

وضع السيد حسن نصرالله في 13 تموز الماضي معادلة جديدة: الترسيم وقدوم الشركات لاستخراج النفط والغاز قبل أيلول وإلّا الحرب، فهل ما زال على موقفه بتدمير منصات الغاز الإسرائيلية أم سيتراجع؟

أعلن السيد نصرالله في 13 تموز وفي أكثر من إطلالة من بعدها، بأنّ «هناك من يريد للبنان ولهذا الشعب أن يموت جوعاً، وأن نقتل بعضنا على أبواب الأفران ومحطات البنزين ولقمة العيش، وإذا مُنع لبنان من استنقاذ نفسه باستخراج غازه ونفطه، فلن يستطيع أحد أن يستخرج أو يبيع غازاً ونفطاً أيّاً كانت العواقب، ولن نقف فقط في وجه كاريش.. وسجّلوا هذه المعادلة، سنذهب إلى كاريش وما بعد بعد كاريش»، وأضاف: «إذا كان الخيار عدم مساعدة لبنان ودفعه باتجاه الانهيار ومنعه من استخراج الغاز، فإنّ التهديد بالحرب بل والذهاب إليها أشرف بكثير».

 

وفي السياق نفسه، قال الشيخ نعيم قاسم: «نحن معنيون بأن يحصل لبنان على حقوقه في المهلة المحدّدة من دون تسويف أو مماطلة، ولسنا معنيين بظروف الحكومة الإسرائيلية والانتخابات في الكيان»، والمقصود بالمهلة المحدّدة أيلول طبعاً. وخلفية كلامه مردّه إلى اجتماع الحكومة الإسرائيلية المصغّر الذي رفض التزام تل أبيب بالمهلة التي حدّدها «حزب الله» على رغم حاجتها لاستخراج الغاز، فيما ربطت أوساط أخرى موافقة إسرائيل على الترسيم بانتخاباتها في تشرين، كون خطوة من هذا القبيل قبل الانتخابات ستؤدي إلى سقوط الحكومة، ولن تكون قادرة على الذهاب قدماً في هذا الملف قبل الانتخابات.

 

وما تقدّم يفيد بأنّ «حزب الله» يرتكز في مقاربته على التالي: الولايات المتحدة الأميركية جوعّت اللبنانيين، ومع الاقتراب من فصل الخريف سيكون وضع الشعب اللبناني بحالة مأسوية وكارثية، وقد تنتج منها فوضى ما بعدها فوضى، وإذا ما أُضيف إلى الواقع الشعبي الفراغ الرئاسي وخطورة سقوط هيكل الدولة، ما يعني خسارة «حزب الله» ورقة سيطرته على هذه الدولة ومفاصلها، وبالتالي أمام غياب المساعدات الخارجية، وأمام العجز السلطوي عن فرملة حدّة الأزمة، لم يبقَ أمامه سوى استخراج النفط قبل أيلول لتمديد سيطرته على الدولة، فوضع معادلته الجديدة: إستخراج النفط والغاز قبل أيلول وإلّا الحرب.

 

ولم يفُت نصرالله التذكير بأنّه لن ينتظر إجماعاً، ما يعني انّ الإعتراض على خطواته ومواقفه وما يمكن ان يُقدم عليه غير مهم، لا بل هو متوقّع بالنسبة إليه، ولكنه لا يبدِّل طبعاً حرفاً واحداً في أجندة الحزب وتوجّهاته، وليس جديداً ولا مستغرباً بأنّه لا يقيم وزناً لردة فعل اللبنانيين، ولا يقيم اعتباراً للدولة اللبنانية.

 

وقد جاء توقيت كلام السيد نصرالله في 13 تموز بالتزامن مع جولة الرئيس الأميركي جو بايدن في المنطقة، ما يعني انّه أراد ان يوجِّه رسالة إلى الأخير الذي اصطحب معه في جولته الوسيط في ملف الترسيم اموس هوكشتاين، ومفادها انّ «حزب الله» يريد إنهاء ملف التفاوض والشروع باستخراج النفط والغاز خلال أسابيع قليلة، وإلّا سيمنع هذا الحقّ عن إسرائيل واستدراجها إلى حرب طالما انّ استمرار الانهيار سيقود إلى الفوضى التي ستفضي إلى حرب بين اللبنانيين، وانّ الحرب مع إسرائيل تبقى أهون من الحرب بين اللبنانيين، وانّ تلويحه بالحرب قد يدفع إلى تسريع التفاوض الترسيمي.

 

ومع اقتراب مهلة الحرب التي حدّدها نصرالله شخصياً، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: هل يُقدم على تنفيذ تهديده قبل أيلول ويشنّ الحرب على إسرائيل باستهداف منصات الغاز والنفط الإسرائيلية، أم سيتراجع عن المهلة ويحاول تمديدها وترحيلها وإيجاد المخارج اللفظية تجنباً لحرب لا يريدها، إنما يستخدمها فقط تهويلاً تحقيقاً لهدف الترسيم فاستخراج الغاز، أم ستتحقّق «أعجوبة» بإنجاز المسودة النهائية للاتفاق الحدودي البحري بين لبنان وإسرائيل قبل نهاية آب الجاري، وكيف سيتعامل مع تهديد المسؤولين الإسرائيليين بـ»مسح الضاحية بأكملها» في حال إقدام «حزب الله» على أي عمل عسكري ضدّ إسرائيل؟

 

لا بدّ من الإشارة بداية إلى موقف السيد نصرالله نفسه عندما أعلن على إثر حرب تموز 2006، انّه لو كان يعلم النتائج الكارثية لهذه الحرب لما أقدم عليها، ومن ثمّ الإشارة إلى انّ وضع «حزب الله» في حرب تموز يختلف جذرياً عمّا هو عليه اليوم لجهة انّه كان ما زال يحظى باحتضان عربي او تفهُّم أقله، والعمق السوري مفتوح أمامه، والوضع الاقتصادي في لبنان في أفضل أحواله، والبيئة الشيعية حظيت باحتضان البيئة اللبنانية مجتمعة، فيما يُدرك الحزب جيداً بأنّ ظروف أي حرب يُقدم عليها هذه المرة ليست مؤاتية له إطلاقا للاعتبارات التالية:

 

الاعتبار الأول، يتعلّق بالوضع المالي الكارثي الذي لا يسمح للشقيق بأن يستقبل شقيقه. فكيف سيتعامل مع هجرة كثيفة يستحيل استيعابها وتكرار ما حصل في تموز 2006؟ ما يعني انّ اي حرب تحصل ستجري في غياب بيئة لبنانية حاضنة لاعتبارات معيشية أولًا وسياسية أولاً وثانياً، فضلاً عن انّ مساحة الاعتراض الشعبية الواسعة على دور «حزب الله» التي تُرجمت في الانتخابات النيابية بتراجع حضوره داخل البيئة المسيحية والسنّية والدرزية، لن تتساهل مع تفرّده بأخذ لبنان إلى الحرب، لأنّه لا يوجد اي تفهُّم سياسي لمغامرة يسمح فيها حزب يصادر قرار طائفته بأن يجرّ الطوائف الأخرى والبلد إلى حرب مدمّرة لحسابات إيرانية او أقله غير لبنانية، ولا أحد من اللبنانيين يتفهمها وفي وارد السكوت عنها.

 

ولا يجوز التقليل في الاعتبار المحلّي أيضاً من وضع القطاع الصحي والاستشفائي المأسوي لجهة انّ المواد الطبية الأولية غير متوافرة، ما يعني انّ مصير معظم الجرحى سيكون الموت المحتّم، فيما يستحيل على اي فريق ان يخوض حرباً في ظلّ غياب القدرة على معالجة الناس وتطبيبها، وبالتالي هو ينطلق من واقع خاسر مالياً وطبياً وشعبياً وسياسياً.

 

الاعتبار الثاني يرتبط بخروج النظام السوري من دائرة الفعل والتأثير، خصوصاً انّ هذا النظام قد أدّى دوراً محورياً في حرب تموز وشكّل العمق العسكري والأمني وجسر الإمداد بين طهران والضاحية، وفي ظلّ خروجه من المعادلة أصبح الحزب في وضع دقيق وصعب للغاية، خصوصاً انّ مواقعه العسكرية في سوريا تحت مرمى الاستهداف الإسرائيلي الدائم، ما يعني صعوبة تأدية دور الجسر في حرب يشكّل فيها هذا الدور بالذات مسألة حياة او موت.

 

الاعتبار الثالث يتمثّل بالصعود السعودي مع الأمير محمد بن سلمان الذي يهندس ويقود النظام العربي الجديد، ونجح في ترتيب البيت الخليجي والوضع العربي ووسّع شراكاته بما يخدم المصلحة السعودية، وغير مبالٍ للتناقضات بين هذه الدول التي وثّق معها تحالفات استراتيجية، بدءاً من الولايات المتحدة، مروراً بالصين وروسيا، وصولاً إلى الاتحاد الأوروبي، ومن دون إغفال نشوء محور إقليمي يعتبر إسرائيل حليفاً وإيران عدواً، وهذا المعطى يفيد بأنّ الوضع الإقليمي غير مؤاتٍ لطهران و«حزب الله».

 

الاعتبار الرابع يتعلّق بإيران التي لن تُضحي بورقتها الأغلى في المنطقة «حزب الله»، لأنّ الردّ الإسرائيلي سيكون مضاعفاً عمّا كان عليه في العام 2006 انتقاماً لتلك الحرب، ولأنّ اختلاف الظروف الدولية والإقليمية والمحلية سيقود إلى إنهاء الورقة الإيرانية على غرار إنهاء الورقة الفلسطينية في العام 1982، خصوصاً مع الدفع المستمر للبطريركية المارونية لعقد مؤتمر دولي لإنهاء الأزمة اللبنانية. وبالتالي، أي حرب محتملة لن تنتهي بقرار دولي على غرار القرار 1701 الذي يؤكّد على احتكار الدولة وحدها للسلاح ومرجعيات الدستور واتفاق الطائف والقرارات الدولية، إنما ستنتهي على قاعدة إنهاء الدور المسلّح لـ»حزب الله»، وبالتالي لن يكون لا هو ولا طهران في وارد المجازفة بحرب تُفضي إلى نزع سلاح الحزب وفرض اتفاق سياسي جديد برعاية دولية.

 

فلكل هذه الاعتبارات وغيرها لن يجرؤ السيد نصرالله على شن الحرب المرفوضة من قِبل جمهوره قبل أي جمهور آخر. هذه الحرب التي يفتقد فيها إلى بيئة لبنانية حاضنة، وفي ظل وضع مالي واستشفائي كارثي، وميزان قوى إقليمي لغير مصلحته، ومعادلة «الموت حرباً أفضل من الموت جوعاً» ستؤدي إلى نهاية العمر العسكري لـ»حزب الله» في عيده الـ40، فضلاً عن انّ أحداً من اللبنانيين ليس بوارد الحرب الداخلية ولا يريد الحرب مع إسرائيل. وخشية نصرالله ليس من الحرب بين اللبنانيين غير المطروحة أساساً، إنما خشيته من أن تؤدي الأزمة المالية إلى إفقاده سيطرته على الدولة اللبنانية. وكل هذه العناصر والمعطيات وغيرها تعني انّه لن يُقدم على أي حرب، وما قاله لا يخرج عن سياق التهويل في محاولة لانتزاع الترسيم فاستخراج الغاز، وبالتالي ما بعد بعد شهر آب لن يختلف عمّا قبل قبل آب.