IMLebanon

مهنة البحث عن الطمأنينة

 

تحلّ اليوم، السادس من أيار، ذكرى شهداء الصحافة اللبنانية الذين توالَت قوافلهم، منذ أن علّقهم جمال باشا السفّاح على أعواد المشانق، حتى الآونة الأخيرة في نضالٍ مُتواصِل لم ولن يتوقّف.

 

لقد أعطت صحافتنا لبنان كثيراً من المجد والريادة وأخذَت منه أمراً واحداً لا يُقدَّر بثمن، قياساً إلى حال هذه المنطقة، عنيتُ به الحريّة التي مكّنَت هذه الصحافة من أن تكون الشمس المُشرقة في فضاء المنطقة. فإذا هي منذ القرن التاسع عشر صحافة الأمّة العربية كلّها، صحافة الحاكم والمُعارِض. وهذا كان سلاحاً ذا حدّين نجمت عنه منافع وإيجابيّات كبيرة، وترتّبت عليه مضاعفات وسلبيّات.

 

نالَت هذه الصحافة سمعةً عطِرة جابَت الآفاق لدرجة أنّ الرئيس الفرنسي الكبير، الجنرال شارل دي غول، قال من باب المبالغة المُحبّبة، قبل هبوط الإنسان على القمر: سيكتشف الروّاد أنّ رجلاً سبقهم هو لبناني أنشأ صحيفة هناك.

 

عرفت صحافتنا حقبة إزدهار طويلة. وكان ولا يزال ينقصها التحوّل الفعلي، لا الشكلي، إلى مؤسسات إستثمارية.

 

إنّ المحنة التي حلّت بصحافة الورق، في العالم كلّه، أوقعَتنا في أزمة شبه قاضية، ذلك أنّ مجموع ما تُصدره الصحف من نسخ، أقلّ مما كانت تُصدره صحيفة واحدة أيّام العزّ. وفي تقديرنا أنّ السبب هو أنّ إصدار الصحف يقتضي، في العالم، وخصوصاً بلدان الخليج العربية، رساميل ضخمة إذ يتولّى نشر الصحف متموّلون كبار أصحاب إمكانات مالية هائلة، وراءهم شركات و»تروستات» متمكّنة، وبالتالي إعلانات وازنة. بينما سوق الإعلان في لبنان كلّه لا يُعادل المدخول الإعلاني لوسيلة واحدة هناك.

 

أضف إلى ذلك طغيان الإعلام والإعلان الإلكترونيين وعجز السلطة عندنا عن تنظيم هذا القطاع بشكل قانوني عادل بالرغم من محاولات وإتّصالات ومشاريع تقدّمت بها نقابة الصحافة، ناهيك بهجرة الصحافيين الروّاد وإصدارهم الصحف خصوصاً في بلدان الخليج.

 

واللافت أنّ توقّف دور صحافية مهمّة عن الصدور في لبنان لم يُسفر عنه إنتعاش في هذه المهنة الشريفة للصحف القليلة المستمرّة. وبالتالي، وفي إقتناعي، أنّ تسمية «مهنة البحث عن المتاعب» يجب إستبدالها بتعبير «مهنة البحث عن الطمأنينة»، لأنّ المرء لا يبحث إلّا عمّا يفقده.

 

في ذكرى شهداء الصحافة غيّب الموت، أمس، إبن الخال الحبيب اللبناني المقدام المرحوم جان أسعد سمعان الذي أسّس أوّل صحيفة باللغة العربية في سيدني، أستراليا (صوت المغترب). فصرعه الداء العُضال الذي قاومه بإيمان عميق وإستسلام لمشيئة الله. يا أخي، رفيق الصبا والشباب، فليتقبّلك الله في أخداره السماوية إلى جانب أولئك الأخيار والقدّيسين.