IMLebanon

«ماكينزي» تضيف الى أزمات لبنان أزمة جديدة

 

هل بدأ البحث عن هوية اقتصادية جديدة للبنان؟ هل من السهل الاتفاق على هذه الهوية، خصوصا ان الارتباط واضح بين الهوية الاقتصادية والهوية السياسية، وبالتالي، تحتاج الهوية الاقتصادية الجديدة الى توافق سياسي وربما وطني، قد لا يتوفر، لا اليوم ولا غداً؟

لا يفوّت المسؤولون في الدولة اية مناسبة من دون أن يشيروا الى القلق حيال الوضع المالي والاقتصادي في البلاد. وكثيرون من زوار هؤلاء سمعوا منهم الاصرار على اعطاء هذا الوضع الاولوية على اعتبار انه مصدر خطر حقيقي ينبغي التصدّي له قبل فوات الاوان. وفي هذا السياق جاءت المطالبات الدائمة، بضرورة وضع خطة اقتصادية للسنوات المقبلة.

اليوم، تحولت المطالبات الى مشروع فعلي على الأرض من خلال اعطاء الضوء الأخضر للانطلاق في وضع الخطة المنشودة. وقد جاء تكليف شركة عالمية (ماكينزي) باعداد هذه الخطة، ليؤكد ان المشروع وضع على السكة، وبات خروجه الى الضوء مسألة وقت.

لكن ما جرى حتى الان، يطرح مجموعة تساؤلات من ضمنها:

اولاً: ما هو دور اللجنة الوزارية التي جرى تكليفها في الاساس إعداد هذه الخطة؟ وهل هناك مؤشرات فشل دفعت الى تسريع اللجوء الى اسشاري عالمي؟ كيف تمّ اختيار هذا الاستشاري بالذات دون سواه؟ من وضع معايير الاختيار؟ هل جرت مقارنة بين الشركات العالمية المخولة إنجاز دراسات من هذا النوع؟ كم تبلغ كلفة الدراسة وكيف سيتم تمويلها؟

هذه التساؤلات تحتاج الى بعض التوضيحات لئلا يعلق في ذهن الناس، انها مجرد تنفيعة أخرى تُضاف الى التنفيعات المتواصلة والتي تهدف الى السمسرة اكثر مما تستسهدف المنفعة العامة.

ثانيا: هل تتضمّن الخطة تفاصيل تنفيذية، ام انها ستكتفي بالخطوط العريضة وعناوين تحتاج الى آليات ترجمة، على اعتبار ان السلطة السياسية في كل بلد هي الجهة القادرة على تقدير الوسائل الأفضل للتنفيذ؟

ثالثا: هل سيكون من السهل تغيير هوية لبنان الاقتصادية، والموافقة على هذا التغيير؟

بمعنى آخر، هل المطلوب من «ماكينزي» ان تقترح هوية اقتصادية جديدة تختلف عن الهوية القائمة، انطلاقا من دراسة الواقع الاقليمي والمحلي، واجراء مقارنة مع الدور الذي لعبه لبنان في حقبة الستينيات والسبعينيات، وحقّق يومها ازدهارا اقتصاديا وبحبوحة مالية؟ اذا كان هذا هو المطلوب، كيف سيتمّ التوافق على هذه الهوية؟ السؤال هنا مطروح، لأن التجاذبات حول هذه الهوية قائمة ومحتدمة، وهناك اكثر من رأي في هذا المجال.

الصناعيون يريدون البلد ذا وجه صناعي، المزارعون يريدونه بلد الزراعة واستعادة مجد اهراءات روما، التجار يعتبرون ان دوره الطبيعي ان يكون رائدا في المجال التجاري وان يحافظ على إرثه الفينيقي، رواد القطاع السياحي لا يرون بديلا عن السياحة كمدماك اول واساسي للاقتصاد، والمسؤولون في القطاع المالي يؤكدون على دور لبنان الاول في الخدمات المالية في الداخل والمنطقة.

كل هذه التجاذبات قائمة، واللافت ان كل وزير يدافع عن وجهة نظر الفريق الذي تمثله وزارته. واذا صودف، على سبيل المثال، ان وزيرا للسياحة أصبح في حكومة أخرى وزيرا للزراعة، تراه يدافع ويطرح النظريات حول ضرورة ان يكون لبنان بلدا زراعيا، بالحماسة نفسها التي كان يشرح فيها يوم كان وزيرا للسياحة، كيف ان معطيات البلد وواقعه تحتّم ان تكون السياحة هي المدماك الاساسي في هويته الاقتصادية.
استطراداً، من أعطى الحق لشركة «ماكينزي» لتكون «حَكَم» المباراة الذي يستطيع ان يحسم الخلاف في الملعب؟

هذه الوقائع تجعل مشروع الخطة الاقتصادية موضع جدل، خصوصا عندما يسأل البعض عن حق: ماذا تجدي خطط العالم كله، اذا كانت المشكلة في من يُطبّق، وليست في الخطة التي يُطبّقها.

هل يمكن تصوّر ما سيجري، في حال أقلع المشروع، وأصدرت «ماكينزي» رؤيتها للهوية الاقتصادية الجديدة للبنان؟

منذ الان، نستطيع ان نرسم السيناريو التالي: حفل ضخم لاعلان الخطة الموعودة. بداية جدل بين الوزراء والاطراف حول عناوين الخطة. بروز اعتراضات جدية، قد ترتدي طابع الخلافات الوزارية، لكنها تخفي خلافات الاطراف الاساسية الحاكمة والمتحكّمة بالبلد.

ارتفاع منسوب الخلافات، لتتحول دراسة «ماكينزي» مادة خلافية جديدة، بدلا من ان تكون الحل. وسينتهي الامر الى وضع الدراسة في الارشيف الوطني للدراسات، وما أكثرها