IMLebanon

الشّاذ..!

 

اليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى على الجمهورية اللبنانية، نحن بحاجة ماسّة إلى الشاذين ليحكمونا، ليجلسوا على الكراسي التي اشمأزّت من مؤخرات العصر الحجري، ليستلموا مقاليد الحكم وزمام المبادرة وصناعة القرار.. نحن في أمسّ الحاجة إلى الشاذين ليكونوا نوّاباً ووزراءَ، مدراء عامين ومستشارين، رؤساء أحزاب وقياديين.. شاذين يكونوا زعماء وسفراء ووجهاء ونقباء شاذين عن القاعدة، شاذين عن المعتاد، شاذين عن المسلّمات، شاذين عن غير الطبيعي الذي تحوّل إلى طبيعي في بلد أقلّ ما يُقال عنه أنّه غير طبيعي ومن غير الطبيعي أن يُكمل في نفس النهج والمنطق.

 

منذ 17 تشرين، وفي سحر ساحر أو في شكل أدقّ بسحر ثورة، أصبح لدى الشعب اللبناني شغف بالشاذين عن القاعدة، ولم يعد يطيق رؤية العاديين والمعتادين والتقليديين يحكمون ويقرّرون ويتكلّمون ويتقيّأون بشاعة منطقهم على المنابر والتلفزيونات، ومن خلف مكاتبهم التي صادروها بقوّة الطائفية. وعطشهم الأزلي هذا في صحراء الأحزاب والميليشيات، لم يروه إلّا نقيب المحامين ملحم خلف، الذي تحوّل بعيد انتخابه منذ أقلّ من شهرين إلى أيقونة للثورة اللبنانية، وبطلاً تتمثّل به الصبايا والشباب، وقدوة يتعلّم الجميع من مواقفه المشرّفة على أكثر من صعيد وفي أكثر من مناسبة وموقف. ولعلّ ملحم خلف بحدّ ذاته هو أفضل ردّ على جميع المشكّكين بالانتفاضة الشعبية وبأهدافها ومطالبها، ولا شكّ في أنه كان أنظف وأنقى نتيجة للثورة حتى هذه الساعة، إذ تمكّن ضمن حدود اختصاصه فقط وبلا تمنين لأحد أن يثبت معنى الوجود في مركز سلطة، فتابع واجباته بكلّ أمانة وتفانٍ، وفضح أنه في غيبوبة السياسيين وبعدهم التام عن الواقع، هو الشخص الوحيد الذي فهم نبض الشارع وسمع صراخ الناس وشعر بمأساتهم ووجعهم، فكرّس نفسه وموقعه لخدمتهم.

 

النقيب ملحم خلف لا يخترع البارود ولا يخصّب اليورانيوم أو يتواصل مع الكائنات الفضائية في مجرّة درب التبّانة… هو نقيب بما للكلمة من معنى، يملأ مركزه ويفرض هيبته، ويضع مصالح الناس والمظلومين قبل مصالحه الشخصية وحساباته المصرفية وموكب سياراته وأسلحة مرافقيه وعدد منازله وثمن ساعته.

 

الأغرب من نشاط ملحم خلف هو الالتفاف الشعبي الجارف حوله، والدعم المهول الذي يحصل عليه على المنصّات الاجتماعية. ويكاد لا يقدم على خطوة إلّا ونجد الناس تمتدحه، ويعبّرون عن فخرهم به، ويتمنّون لو يكون في مركز سياسي أكبر، إيماناً منهم بأنه سيكون له سلطة أكبر على التغيير ومحاربة الفاسدين وقطع الطريق على المنافقين.

 

ففي بلد لا يحترم المسنّين ولا يعترف أصلاً بأقلّ حقوقهم، ضرب النقيب خلف على الوتر وانتفض عندما تجرّأ القاضي سامي صدقي على إخراج المحامي مالك عويدات الذي يبلغ من العمر 86 عاماً من المحكمة، فتوجّه النقيب برفقة المحامي المطرود إلى داخل المحكمة وواجه القاضي وطلب من المحامين مقاطعة كلّ جلساته بقرار رسمي موقّع منه شخصياً. هذا عدا عن توجّهه كل ليلة تقريباً إلى المخافر والثكنات للدفاع عن الثوّار المعتقلين المظلومين وتكريس حقوقهم الشرعية.

 

ترسّخ لدى اللبنانيين أن ملحم خلف هو الشخص الذي يمكنهم أن يحبّوه ويحترموه ويجلّوه وحتى يتبعوه، ليس عن مصلحة أو بسبب خوف، بل فقط نتيجة أعماله التي تتكلّم عنه بوضوح تام غير قابل للتشكيك.

 

إذا كانت الانتخابات النيابية أعادت فرز نفس الطبقة السياسية التي سرقت البلد وشوّهته، وإذا كانت الطبقة السياسية أعادت توظيف وتكليف نفس الأشخاص لتمرير صفقاتهم وفسادهم… فإن الثورة تمكّنت بأولى خطواتها من إنتاج نقيب اسمه ملحم خلف، شخص يرتقي بأعمال منصبه ونتائج أفعاله، ولا يستغلّ طائفة أو حزباً ليصنع اسماً، بل يستعمل اسمه ليكون الشاذ على لسان اللبنانيين من كل الطوائف والأحزاب، لبنانيين «باسوا» رأسه وحلفوا باسمه في أقل من شهرين أكثر مما شتموا السياسيين ولعنوهم على شواذاتهم منذ 30 عاماً حتى اليوم.