IMLebanon

عقلية الاستئثار والإقصاء.. هي السبب!

مع نهاية الأسبوع الحالي، تحلّ بداية الشهر السابع للشغور الرئاسي، من دون أن تظهر في الأفق القريب، بوادر تؤشر على قرب إجراء انتخاب الرئيس العتيد.

تحاول الطبقة السياسية العاجزة عن الخروج من دوّامة الخلافات والانقسامات القاتلة، أن تُلقي الكرة إلى الملعب الخارجي، والتستر خلف الصراعات الإقليمية والدولية المحتدمة في الإقليم، للقول أن العقدة في الخارج!

بل يذهب بعضهم إلى حدّ ربط الاستحقاق الرئاسي اللبناني بمصير الاتفاق النووي بين إيران وأميركا والغرب، على طريقة «كم أرزة عاجقة الكون»، وكأن العالم كلّه، لا همّ لديه إلا الانتخابات الرئاسية، وما تقتضيه من إخراج الأطراف السياسية اللبنانية من دائرة فشلها، في معالجة خلافاتها، واستغلال انشغال الإقليمي والدولي بالحروب المشتعلة في سوريا والعراق، واليمن وليبيا، للانصراف إلى تعزيز الجبهة الداخلية، وتحصينها من النيران التي تقترب أكثر فأكثر، من الحدود اللبنانية!

أصبح واضحاً أن الاهتمام العربي والدولي بالوضع اللبناني، يقتصر على إبداء النصح، والمساعدة في الحفاظ على الاستقرار الهش الحالي، مع الاعتراف بأن لبنان حالياً، هو في آخر الأجندة الإقليمية والدولية، هذا في حال كان فعلاً له وجود فيها!

هذا يعني، وبالقلم العريض، أن الأزمة الرئاسية تدور في دوامة الخلافات المحلية، وفي إطار من النكايات والكيدية الانتحارية، تحت شعار: «عليّ وعلى أعدائي يا رب»!!

 * * *

بعد ستة أشهر من الشغور الرئاسي، غير المسبوق في دول العالم، بات واضحاً لأكثرية اللبنانيين أن عقلية الإقصاء والإلغاء، التي تتحكم ببعض القيادات السياسية، هي التي أوصلت الأزمة الرئاسية إلى التعقيدات الراهنة، وهي التي أدّت إلى تعطيل الانتخابات الرئاسية حتى الآن.

ولعل تصلّب العماد ميشال عون في البحث بمخارج وبدائل معقولة لترشحه للرئاسة، بعدما تبين للحلفاء، قبل الخصوم، استحالة وصوله إلى قصر بعبدا، لعل هذا التصلب يصلح ليكون نموذجاً لتشريح عقلية الاستئثار والإقصاء المتحكمة بالحركة السياسية الراهنة.

يبني جنرال الرابية موقفه المتصلّب في الاستحقاق الرئاسي، من منطلق أنه الزعيم الأول والأقوى للموارنة، الذين يعود لهم المنصب الأوّل في الجمهورية، وهو صاحب أكبر كتلة نيابية مسيحية، وهو بالتالي «صاحب الحق» الوحيد في رئاسة الجمهورية، ولا مجال للبحث في أي خيار آخر، بحجة أن الأقوى يجب أن يُلغي الأضعف!

الواقع أن رئيس التيار الوطني الحر، سبق له ومارس مثل هذه السياسة، وبعناد مماثل، قبيل الوصول إلى اتفاق الطائف، وبعده، عندما خاض «حرب التحرير» ضد القوات السورية، في محاولة للتخلص من المعارضة السورية لوصوله إلى رئاسة الجمهورية، ثم في دخوله «حرب الإلغاء» ضد القوات اللبنانية، سعياً للقضاء على منافسه الأقوى والوحيد في الساحة المسيحية.

فكانت النتيجة أن الدمار والخراب الذي لحق بمناطق الاشتباكات والتراشق المدفعي الثقيل في سنتين يفوق معدلات الدمار الذي لحق بجميع خطوط التماس وما حولها، طوال خمس عشرة سنة من الحروب العبثية بين الميليشيات!

فكان أن دمّرت عقلية الإقصاء والإلغاء البنية التحتية، بما فيها شبكات الكهرباء ومحطات التوزيع والتوليد، التي ما زلنا نعاني من آثارها حتى اليوم، كما دمرت أحلام صاحبها في الوصول إلى الرئاسة الأولى، حيث بقي مصراً على احتلال قصر بعبدا عنوة، وبشكل غير قانوني، رغم انتخاب رئيسين للجمهورية: الرئيس الشهيد رينيه معوض وخلَفه الرئيس الراحل الياس الهراوي!

 * * *

المشهد يتكرّر اليوم، ولكن في إطار جديد، وإن كانت الخلفية هي ذاتها: الإلغاء والاستئثار.

لقد أدّت عقلية الإقصاء إلى تعطيل كل الجلسات المخصصة لانتخاب الرئيس الجديد، لأن الجنرال عون غير مطمئن الى نتائج الاقتراع النيابي، في حال حصلت المواجهة بينه وبين منافسه اللدود رئيس القوات اللبنانية د. سمير جعجع!

يُريد عون أن يستأثر بأصوات النواب، في شبه إجماع عليه، بحجة أنه «مرشح توافقي»، رغم أن تأييد ترشيحه يقتصر على بعض أطراف قوى 8 آذار، وخاصة «حزب الله»!

ولم يعد خافياً أن إصرار عون على متابعة هذه السياسة، يعني استمرار تعطيل الاستحقاق الرئاسي، والحيلولة دون انعقاد جلسات مجلس النواب المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية، مع كل ما ستسبّبه هذه السياسة الإلغائية من تداعيات على الوضع المسيحي بشكل عام، وعلى سلامة عمل المؤسسات الدستورية، بشكل خاص!

 * * *

إلى متى يحاول البعض ذرّ الرماد في العيون، ويرمي بعجزه على الخارج؟

 ألم نتعلم مما يجري حولنا في أنظمة الاستئثار والإلغاء، إذا لم تكن سنوات الحرب وعِبَرها المريرة كافية لاستيعاب الدروس اللازمة؟