IMLebanon

رسالة إلى فخامة الرئيس، ودولة الرئيس

 

تحية واحتراما،

فخامة الرئيس نشأ المواطن اللبناني وأنا أحدهم بالإحساس والشعور قبل النصوص على احترام مواقع الرئاسات الثلاث في لبنان; رئاسة الجمهورية كائنا من كان الرئيس, ودولة الرئيس كائنا من كان, ورئاسة المجلس النيابي كائنا من كان, وما زال في تاريخنا الوطني المعاصر على مدى المئة عام المنصرمة من تكوين لبنان يحمل إلى اللبنانيين شخصيات كبيرة وازنة ومميّزة في قيادتها حكم البلاد وإدارتها، وتعاهدوا خاصة الأوائل منهم، الرئيس بشارة الخوري ورياض الصلح الذي وُصف بالزعيم الوطني، على تأسيس وطن الاستقلال بعد الإطاحة بدولة الانتداب. وعملوا ليكون من أحسن الأوطان، وان لا يكون ممرّا ولا مقرّا للاستعمار وقال عنه الأديب اللبناني الكبير أمين الريحاني عبارته المأثورة (أسألكم على الدوام أن هناك لنا وطنا على شاطئ البحر المتوسط يستحق أن يكون من أحسن الأوطان، وبإمكانكم مساعدته). وهي عبارة مكرّرة يوميا على أحدى شاشات التلفزة، وعندما حلَّ عهد الرئيسين الجنرال فؤاد شهاب ورشيد كرامي، استحق لبنان أن يكون من أحسن الأوطان، ووصف بسويسرا الشرق، محليا وعربيا ودوليا، وتسابق العالمين العربي والدولي على استقطاب ود لبنان وفتح بلدانهم لأبنائه المميّزين في أعمالهم وعطاءاتهم وخدماتهم وصار مدرسة وجامعة العرب ومركز ثقافتهم ومنبر أدبائهم وشعرائهم ومؤتمراتهم المتعددة ومستشفاهم وممارسة سياحتهم وقضاء صيفهم في ربوعه يقيم فيه الأمراء والملوك منهم فشيّدوا القصور والأبنية الفسيحة على أرضه وأودعوا أموالهم في مصارفه، وكان مقر أمنهم وامانهم وبالتوازي نجح عهد الرئيس شهاب والحكومة في بناء الدولة الحديثة دولة القانون والمؤسسات والانماء المتوازن لكل لبنان، ووصلت الكهرباء والمياه والطرقات من أقصى مناطق لبنان وبلداته وقراه وعموم محافظاته، وتجلّت هيبة الدولة بوحدة جيشها والقوى الأمنية من خلال الفرقة 16 المشهورة آنذاك وتجلّى الانتماء الوطنى للبنان ووحدة شعبه وتصالح عشائره ومغادرة نزاعاتهم إلى الاهتمام بالزراعة والصناعة والتربية والتعليم والمدرسة الوطنية والجامعة وبأعلى محاسن السياسة الخارجية ووزرائها الذين سجلوا نجاحات للبنان غير مسبوقة بعلاقاته مع أشقائه الدول العربية وشعوبها والدول العالمية الصديقة واحتضان القضية الفلسطينية والأخوة الفلسطينيين وغيرهم، وكان لبنان رائدا في معظم ميادين الحكم والقيادة. هذا واقع عاشه لبنان واللبنانيون وصنعوه بالجهد والعرق والعقل النيّر والتدبير الحكيم والإخلاص العميق لوطنهم وشعبه وجعلوا منه منارة مضيئة على شاطئ البحر المتوسط وبات من أحسن الأوطان كما أراده الأديب الكبير أمين الريحاني.

 

فخامة الرئيس، قرأنا فيما قرأناه أن الجنرال ديغول تأمّل بلاده مليّا وقال أن فرنسا مصابة بداء الصرع، يقصد انها في تعب واضطراب شديد. ولأن التشبه بالكرام، كرام، كيف يرى فخامة الرئيس لبنان بعد جوابه الحاسم للصحافة، لبنان إلى أين? الى جهنم!!! هل هو فيما بعد جهنم أيضا وان مصيره الباخرة الشهيرة عالميا الـ«تايتانك»، كما حذّر وزير خارجية فرنسا بذلك عند زيارته لبنان الذي سبقه إليه الرئيس ماكرون صبيحة اليوم التالي لانفجار مرفأ بيروت وتداعياته الكارثية على لبنان واللبنانيين؟ هل تأمل فخامة الرئيس خلال مسيرة عهده حال البلاد والعباد وهل هو عازم في الشهور الأخيرة من ولايته على وقفة تأمّل موضوعية وحيادية حتى عن شخصه الكريم ضنّا بلبنان الوطن والمواطنين ولتتعلم الأجيال الصاعدة من هذه التجربة الفريدة وغير المسبوقة على لبنان واللبنانيين؟

اللبنانيون وكل العرب على ما نظن وكل أصدقاء لبنان ينتظرون إجراء التكليف والتأليف السريع والعاجل للحكومة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن مواصفات الرجل المناسب في المكان المناسب والرئيس القوي بحكمته وحسن تدبّره في القيادة والمستقل عن كل المنظومة الفاشلة المتحكّمة والمسؤولة مسؤولية مباشرة وجرمية عن ما وصل إليه لبنان الجميل.

لبنان يحتاج لإنقاذه إلى زعيم لبناني وطني قادر بعلمه وثقافته وتجربته في بناء الأوطان وعلاقاته الداخلية والخارجية والتمييز بين العدو والصديق وبين الإعمار والبناء وبين التدمير والتخريب والتعطيل والعرقلة، فالوطن يبنيه الكبار وليس هو لعبة الصغار، أنه أكبر قضية وطنية بل هو القضية كلها، هذه رسالتي المختصرة لفخامة الرئيس راجيا قبول مضمونها وأنا من سبق ووجّهت منذ ما يقارب السنتين رسالة عبر جريدة «النهار» إلى بعض قيادات التيار الوطني الحر.

دولة الرئيس، وانتقل إلى دولة رئيس الحكومة كائنا من سيكون المكلف الذي يختاره النواب ضمن الاستشارات الملزمة التي يعلن رئيس الجمهورية نتيجتها ومن طبيعة الأمور، أنه من غير المقبول وطنيا ولا دستوريا ولا إنسانيا أن لا يكون للبنان الوطن حكومة ورئيس للجمهورية في وقته وزمانه وبالسرعة المطلوبة ومن غير المقبول أن يفرض أحدا التعطيل أو الفراغ الدستوري بقرار أعجمي لا طائل منه سوى قتل وطن وإفقار مواطنين وسوقهم للمجاعة والعطش والعتمة التي تشبه وجوههم وقلوبهم.

يا دولة الرئيس المكلف كائنا من كنت، نحيلكم لمطالب الشعب اللبناني الذي سحق من حكامه ومن المنظومة المتحكمة بعيشه ومصيره منذ عقود كأنه نظام ملكي لا جمهوري ولا يفقه أو يعترف بتداول السلطة بل بتأبيدها كأنها عقار مملوك لها ولأبنائها وعائلتها وأصهرتها والمقرّبين. كما نحيلكم إلى مطالب انتفاضة الشعب اللبناني العارمة بتشرين وأهالي ضحايا هذه المنظومة اللامبالاة إلا بمصالحها ومصالح أسيادها ومتزعميها، ونحيلكم إلى مطالب النقابات العمالية والمهنية والنسائية وأساتذة التربية والتعليم والمفكرين والباحثين ورجال الصحافة والإعلام ورجال الدين وخاصة مواعظ غبطة البطريرك الراعي الأسبوعية وما أعلنه في عظة الأحد ما قبل استشارات التكليف حيث قال وبالصوت العالي/ أن أداء الجماعة السياسية، يثير اشمئزاز الشعب اللبناني والعالم إذ يعطي الدليل يوميا على فقدان المسؤولية والاستهتار بآلام الشعب ومصير لبنان/.

دولة الرئيس المزمع تسميته أو ترشيحه لا تقبل هذه العروض أن جاءتك من أشباه الرجال، وأصحاب النوايا الخبيثة الذين يستهدفون مكونك الطائفي وتهميشه وتشويه دوره الوطني الرائد وحفاظه على الثوابت الوطنية التي حفظت وحدة الشعب اللبناني بدون طوائفية بغيضة كادت تقسم لبنان وتربطه بأعدائه الوجوديين والطامعين، وبدون نعرات مذهبية بغيضة تواجه بها الرسالات السماوية الخالدة التي شاءها الله تعالى لعباده وتربطه بصراعات وحروب دول أجنبية أخرى، ودعوات عنصرية تستهدف ضرب الوطنيات العربية والعروبة الحضارية التي هي هوية الأمة وقوتها ودورها في نقل شعوب أمم كثيرة من الكفر إلى الإيمان، ومن الظلام الى النور، ومن الجور والطغيان والاستعمار إلى العدل والحق والمساواة والى الحرية والتحرير.

 

يا دولة الرئيس المكلف، استخدم كل صلاحياتك الدستورية، فأنت المعني وحدك بتشكيل حكومتك ورئاستها ولا تقبل التفاف رئيس أو وزير أو أحزاب وحركات ومليشيات أسقطها الشعب اللبناني بإصراره وصموده. ولا تقبل شروط قوي أو ضعيف فليس أحد القوي مهما علا الصراخ وكثرت الاستعراضات. فالقوة للّه ومن عند الله وإرادة الشعب هي الغالبة، وآن الأوان أن يكون الوطن اللبناني كما كان وطن كل اللبنانيين والمساواة وقوة لبنان بوحدة شعبه وتقوية مؤسساته وبعروبته الحضارية، وما عدا ذلك وجهات نظر تخضع للنقاش والحوار على قاعدة مصالح لبنان واللبنانيين قبل وفوق أي اعتبار آخر.