IMLebanon

رسائل طائرة من وحي التاريخ … مع استمرار خلط «أوراق القوّة»

حَلّت إيران مجَدّداً الضيفَ الأبرز في الجلسة التي عَقدتها لجنة القوات المسلحة في مجلس النوّاب الأميركي، لمناقشة التفويض الذي طلبَه الرئيس باراك أوباما لمحاربة «داعش».

لعلَّ معاركَ تكريت التي تُراوِح مكانها، ووفرةَ التقارير الإعلامية المسَرّبة إلى الصحافة الأميركية عن السلاح الإيراني وأنواعه، خصوصاً نشر صواريخ أرض ـ أرض متطوّرة لاستخدامها في تلك المعارك، فرَضَت على المشرّعين الأميركيين، وعلى وزير الدفاع آشتون كارتر ورئيس هيئة الأركان مارتن دمبسي، التحدّثَ بـ»شفافية» أكبر عن توقّعاتهم حيال مستقبل العملية العسكرية كلّها في العراق وسوريا.

كان واضحاً وجود تقاطعٍ ما، بين تصريح وزير الخارجية جون كيري عن احتمال التفاوض مع الرئيس السوري بشّار الأسد وإمكان التوصّل إلى اتّفاق مبادئ تقني مع طهران قد يعلن عنه هذا الأسبوع، وبين خلافات أطراف التحالف الدولي على سُبل محاربة «داعش»، ودور إيران الذي قد يُعَقّد هذه الحرب في كلّ من العراق وسوريا على ما أعلنَه كارتر.

فكارتر اعتبَر في الجلسة أنّه لا يمكن التغَلّب على «داعش» على المدى البعيد إلّا بقوّات محَلّية عراقية وسوريّة، في إشارةٍ إلى الدور السلبي الذي تؤدّيه الميليشيات المدعومة من طهران في العراق وأهمّية استحضار المكوِّن السّني، وإلى ضرورة خَلق قوّات سوريّة معارضة لا تشمل قوّات الأسد.

وأكّد أنّ التنسيقَ بين قوى التحالف مستمرّ، لكن بعض «الخلافات» برزت خصوصاً مع قطر، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ الزَجَّ بأسلحة صاروخية قد لا يُغيّر في المعادلة على الأرض، فضلاً عن نتائجها الكارثية على المدنيّين، وهو ما لا يمكن تفاديه إلّا عبرَ سلاح الجوّ.

غير أنّ ما كشفَه دمبسي في الجلسة، لعَلّه يرسم الحدود الحقيقية للمدى الذي بلغَه الدور الإيراني في الحرب على «داعش»، حين قلّلَ مِن أهمّية الإنجازات التي تحَقّقت في معارك تكريت، مؤكّداً أنّ الحرب قد تستمر أقلّه ثلاث سنوات.

وفي اليوم نفسه، كشفَ البنتاغون أنّ «داعش» أطلقَ طائرةً من دون طيّار فوق الأنبار أسقطَتها المقاتلات الأميركية، ما يؤشّر إلى أنّ المشهد هناك يتّجه إلى مزيد من التعقيد.

تصِف أوساط أميركية «غموض» المشهدين السياسي والعسكري، بأنّه نتيجة التشابك الحاصل في الملفّات المطروحة في المنطقة، مع اتّساع دائرة التناقضات و«تحَسُّس» الأطراف لأماكن تموضعِها، مع تطاير الرسائل في كلّ اتّجاه.

إسقاط الطائرة الأميركية الموَجّهة فوق اللاذقية، تصِفه تلك الأطراف بأنّه قد يكون رسالة اعتراض روسيّة، لإحساس موسكو بأنّ «الروسيا» التاريخية ومصالحَها، غير مصانة في ما يجري في المنطقة.

فإذا كان توقيع الاتّفاق النووي من شأنه أن يخلقَ واقعاً سياسياً جديداً في الإقليم، فمَن قال إنّ روسيا مستعدّة لعقدِ تسويات، فيما حديقتها الخلفية في أوكرانيا تنزف؟

غير أنّ هناك مَن يقول إن إسقاط الطائرة هو مِن تداعيات تصريحات كيري الأخيرة، مع إحساس الأسد بأنّ صفقة النووي قد تكون على رأسه أيضاً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الهجوم الكيماوي الذي نفّذَته قوّاته في إدلب.

تَستدرك تلك الأوساط بالقول أنْ لا علاقة مباشرة للتصعيد الميداني المرتقَب بالتصريحات السياسية فقط. فخَلطُ أوراقِ القوّة يبدو أنّه سيأخذ مداه مع شعور طهران بأنّ الفرصة التاريخية السانحة في المنطقة لا يمكن تفويتها. وبحسب المسار الحالي للمفاوضات النووية، تبدو القيادة الإيرانية أقربَ إلى توقيع الاتّفاق ليتسنّى لها الاستثمار وحشد طاقاتها في معاركها السياسية في المنطقة.

واشنطن حتى الساعة، لم تُبلّغ الأطراف الإقليمية الأخرى ما الذي ناقشَته مع طهران إقليمياً، عِلماً أنّها لم تعطِ أيّ إيحاءات تشير إلى اتّفاقها معها، طالما إنّ الملفّ النووي لم يُغلَق.

وحالة الاستنفار التي تعيشها الدوَل المجاورة لكلّ مِن العراق وسوريا، تكشف عمقَ الخلافات مع طهران التي لا تُراعي كثيراً ما قد تثيره سياساتها الإقصائية من تناقضات.

ومع احتمال أن يعلنَ الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين تكليفَ بنيامين نتنياهو تأليفَ الحكومة الجديدة، فإنّ فصلاً جديداً من التصعيد ستكون تل أبيب طرفاً فيه، بعدما جَدَّد المجتمع الإسرائيلي للقوى الأكثر تطرّفاً فيه، الأمر الذي ساواه بالتطرّف السائد في المنطقة. إنّها مرحلة جنون سياسي تُستحضَر فيها أشباح التاريخ وأوهامُه، ولا يمكن التكهّن بنتائجها المدمّرة على شعوب المنطقة.