IMLebanon

أبعد من السياسة… أدنى من الأخلاق

 

عندما تصدح زمامير الجنرال في بيت الشعب كي تطربه في اليوم الأخير من الولاية، لا يكون ذلك الّا رقصاً على قبر الجمهورية، حيث يفتقد الراقص إلى أبسط درجات الشعور بأنّ كارثة نعيشها، تستأهل الحداد والاستنكار والكثير من الخجل، بدل الرقص على وقع الموسيقى، كي يطرب لها عاشق نفسه وكاره كل آخر.

لم يأبه الجنرال إلى أنّ هناك شعباً يموت. لم يفاجئ الجنرال أحداً بخروجه وسط هذه الهيصة، فهو جنرال الهيصات والشعارات والوعود الخاوية، وهو جنرال بيع الأوهام التي لا يتحقق منها الّا وصوله السريع إلى السلطة بأسلوب «الجوع العتيق» الذي لا يجهد في التمييز بين المبادئ، وبين الخروج عنها بفظاظة، فالجنرال مطمئن إلى أنّه ما من نبيّ يُساءل في رعيته. وعلى هذا المنوال يحلو له ارتكاب المتناقضات في أبشع صورها، من خصم للنظام السوري، إلى حليف يتوّج سفيره بالنياشين، كل ذلك مشياً، من دون أن يأبه، على جثّة رمزية شهداء 13 تشرين، وعلى هامة من بقوا على قيد الحياة من عسكر 13 تشرين الذين قاتلوا حتى اللحظات الأخيرة، من دون أن يحسبوا أنّ قائدهم كان قد أصبح في مأمن.

يحلو للجنرال أن «يتمشّى» بين محاربته سلاح الميليشيات في الثمانينات، وبين أن يكون أداة لها في العام 2005. هذه «التمشاية» هي أسهل ما يمكن للجنرال أن يفعله، فهو ينتقل بسهولة، من ضفة إلى ضفة على قارب خشبي، لهاثاً وراء السلطة وتشبثاً بثياب من يساعده في الجلوس على الكرسي.

لم يكن في بيروت في يوم الخروج المخجل، أيّ صوت حتى من الأقربين الّا واستفاق على حقيقة بعيدة عن السياسة وملتصقة بالاخلاق. اذ كيف يمكن لأي عاقل أن يجرؤ على تنظيم احتفال كهذا على وقع الانهيار؟ وكيف يمكن لأي عاقل أن يستمر على الرغم من الانهيار، في العناد بالتمسك بمعادلة «أنا وصهري أو لا أحد»، أو «أنا وصهري وليحترق البلد»؟!

وكيف يمكن لأي عاقل أن يُصدق أنّ ما قاله عون، الذي يتقن فن التلاعب بعواطف المناصرين، أنّه كان ضحية محاربة الفساد؟ فيما التاريخ لا يزال حديثاً وهو يروي بالصوت والصورة والوقائع، كيف نال الجنرال حصّته كاملة في الدولة، وكيف حقق حلمه ناجزاً بأن أصبح عن جدارة «محاصِص المسيحيين»، وها هو، ولأنّه نجح في أن يكون محاصِص المسيحيين، تراه لا يشعل حرباً الّا مع باقي المتحاصِصين الأصليين، لأنّ ساحة تقاسم النفوذ والحصص في الدولة لا تتسع لرؤوس كثيرة.

ما يشفع لغيره من المتحاصصين قليلاً أنهم يُجاهرون بأنهم يريدون حصتهم كاملة، وما يثير السخرية في خطاب الجنرال، أنّه وهو يتمسّك بحصّته وحصّة صهره، يحاضر بالشعب العظيم، بفضائل الطهارة ومحاربة الفساد، وهذا فرق جوهري بين التوأمين في المحاصصة الأصلي والتايواني. أما الفرق الآخر فهو أن المحاصصين القدامى، يحاربون الوافد الجديد الناشئ بدهاء وصمت لا تخرقه الّا بضع رشقات نارية.

بدأ فصل جديد من معادلة «صهري أو أحرق البلد». مسلسل صنعه رجل أوهم الناس بأنّ الوهم هو حقيقة، فجيّر العواطف الصادقة واستثمر في الكراهية إلى حدّ تحويلها تياراً كارهاً لكلّ شيء، الّا لجنرال قدم نفسه ابناً لمدرسة النبوّة التي لا تُساءَل ولا تُحاسَب، بل تعيث بالارض والبشر أنانية ونيرونية لا تتورّع عن تجاوز كلّ ما اصطلح على تعريف السياسة به من خير وحكمة.