IMLebanon

مسؤولية عون في تأليف الحكومة

 

لا شك في أنّ النيران التي تكوي حياة اللبنانيين، وتلتهم ودائعهم ومدخراتهم ومستقبلهم وطموحاتهم وأحلامهم، وحتى منازلهم وعائلاتهم وأحبائهم، جعلت المواطنين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي يعلّقون على عبارة «جهنم» تحديداً من المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس الأول لعرض التطورات أو «الجمود» في عملية تأليف الحكومة. عون استخدم هذه العبارة للدلالة على وضع لبنان المأساوي والخطير المُرتقب في حال لم تؤلّف الحكومة سريعاً وظلَّ التعنت السياسي هو الغالب. هذه المرة، لم يخرج قريبون من الرئيس ليقولوا إنّ هناك استهدافاً للعهد، كما جرت العادة عند كلّ استحقاق ترافَق مع مطبّات وعراقيل. الآن، لبنان هو المُستهدف بوضوح، ولم يعد هناك هامش للمناورة أو الاستغلال.

كان لافتاً هذه المرة أنّ عون صارح اللبنانيين، وسمّى المعرقلين بأسمائهم وغاياتهم، رافعاً المسؤولية عنه، بعد رفض محاولاته لملاءمة مطالب «المتصلبين بمواقفهم»، معلناً التزامه الدستور.

 

لكنّ جهات سياسية وشعبية عدة، تعتبر أنّ رئيس الجمهورية لا يُمكنه القول: «أشهد أنني حاولت، لكن ما باليد حيلة»، وأن يبقى في موقعه متفرجاً على سقوط لبنان في عهده الى جحيم الانهيار والفوضى وربّما الزوال. وترى، أنّ عون بعد عرضه لمسار التأليف، كان يجب أن يُعلن استقالته، تمهيداً لبدء سقوط هذه الطبقة السياسية الحاكمة، أو كان يجب عليه التلويح والتهديد بهذه الاستقالة، إذا لم يرضخ «الثنائي الشيعي» ورئيس الحكومة المكلّف ومعه نادي رؤساء الحكومة السابقين للمصلحة الوطنية، التي تقتضي الاتفاق سريعاً والإتيان بحكومة قادرة على الإنقاذ. لكن عون، مثلما أكد مراراً، لا يتخلّى عن «مسؤولياته ولا يستسلم بل يُواجه».

 

كذلك، تعتبر جهات سياسية أنّ هناك مسؤولية كبيرة تقع على عون في ما وصل إليه مسار التأليف، بعد الطريقة التي انطلقت وفقها هذه العملية، فضلاً عن طريقة التأليف في الحكومات السابقة في عهده، وما قبل عهده حين كان رئيساً لـ«التيار»، مشيرةً الى إجابة عون في مؤتمره الصحافي الأخير، رداً على سؤال عمّا اذا كان سيطلب من رئيس الحكومة المكلف الاعتذار في حال وصلت الأمور الى حائط مسدود، حيث قال: «اذا طلبت منه الاعتذار واعتذر، فما الذي سيحصل؟ الطريقة التي لجأنا اليها هي اننا لم نسأل الأكثرية ما الذي تريده، بل طلبنا أن يتم تقديم 3 أسماء من الطائفة السنية لنختار واحداً منها، وسنعود الى الموضوع نفسه في حال الاعتذار».

 

وتعتبر، أنّ «عون، لم يكن يجب أن يقبل بذلك، إذ إنّ الدستور ينصّ على أنّ رئيس الجمهورية يكلّف شخصاً تأليف الحكومة بناءً على الاستشارات النيابية الملزمة». لكن، في المقابل، إنّ الاستشارات أفرزت تكليف الدكتور مصطفى أديب. وهذا يحصل في كلّ الحكومات المتعاقبة منذ ما بعد «اتفاق الطائف»، خصوصاً بعد عام 2005، حيث القرار للكتل السياسية، وبعد توافقها، يُسلّم النواب «اسم الرئيس المكلف»، ليسلّموا هذا الاسم بدورهم الى رئيس الجمهورية، فلم يعد التكليف والتأليف بيد الرئيس. ويقول قريبون من عون: «لو أنّ هذه الصلاحية ما زالت بيد الرئيس لكانت الحكومات في عهد عون تألّفت في ليلة وضحاها».

 

كذلك، تُذكّر جهات سياسية أنّ عون و»التيار الوطني الحر» من أكثر من وَضعَ العراقيل وأخَّر الاستحقاقات الدستورية وشاركَ بإغلاق مؤسسات دستورية أو وافق عليها، بغية كرسي وزارية أو رئاسية، لافتةً الى أنّ عون انتُخب رئيساً للجمهورية من مجلس نيابي ممدّد له بطريقة غير دستورية، وكان عون بحد ذاته يعتبر أنّ «هذا المجلس غير شرعي». الى ذلك، اعتُبرت المشاورات التي يجريها عون قبل دعوته الى الاستشارات النيابية الملزمة مخالفة بدورها للدستور، إذ إنّها تؤخّر عملية التكليف والتأليف.

 

قبل إدخال تعديلات رئيسية على الدستور اللبناني بموجب «اتفاق الطائف»، كانت عملية التكليف محصورة برئيس الجمهورية بمفرده، حيث كان يعيّن رئيس الحكومة المكلّف وفق ما يَرتئيه، من دون أي استشارات. بعد هذا الاتفاق، باتت آلية التأليف كالآتي: يُجري رئيس الجمهورية استشارات نيابية ملزمة، يكلّف على أساسها رئيساً لتأليف الحكومة، يجري بدوره استشارات مع الكتل النيابية لتأليف الحكومة، ثمّ يعرض تشكيلة وزارية على رئيس الجمهورية، وبالتوافق بينهما يصدر مرسوم تأليف الحكومة، حيث يصدر مرسومان بالتوازي، الأول مرسوم التكليف بتوقيع رئيس الجمهورية منفرداً، والثاني مرسوم التأليف بتوقيع كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

 

وإذ يُجمع عدد من الخبراء الدستوريين والقانونيين على أن «لا قيود على رئيس الجمهورية، ويحقّ له إجراء مشاورات واستشارات حول أي موضوع مطروح في البلد»، تثير هذه المشاورات «حساسية» رؤساء الحكومات السابقين الذين يعتبرون أنّ هذا تعدياً على صلاحيات الرئيس المُكلّف. ولقد تكرّرت «حرب الصلاحيات» هذه قبل تأليف كلّ الحكومات في عهد عون. لكنّ مشاركين في مؤتمر «الطائف» يؤكدون أنّ «الروحية في النص الدستوري ووثيقة الوفاق الوطني هي روحية التعاون لا المواجهة، ولم يكن الهدف من التعديلات خَلْقُ رؤوس تتناطح، بل إلغاء ممارسات النظام الرئاسي وجعل النظام برلمانياً، وأن تصبح السلطة التنفيذية متمثلة بمجلس الوزراء مجتمعاً وليس برئيس الجمهورية فقط». وتوضح أنّ «الأساس في «اتفاق الطائف» هو المشاركة والتفاهم، لا أن يواجه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف أحدهما الآخر، بل أن يتفقا ويتعاونا لإصدار التشكيلة الوزارية».

 

وتعتبر أنّ «الذي يحصل مع الطواقم المتعاقبة هو أنّ إزكاء الروح الطائفية يحرّض على المواجهة. وهذا الأمر يدمّر البلد ولا يتفق مع «اتفاق الطائف» لا نصاً ولا روحاً. فالمواجهة هَرطقة إذ إنّ «اتفاق الطائف» هو وثيقة الوفاق الوطني، فيما أنّ الذي يحصل هو نوع من الشقاق الوطني». وتلخّص ما يجري الآن في عملية التأليف، وما كان يجري سابقاً، بأنّ «الأفرقاء يستخدمون الاستقواء الطائفي والخارجي، الإقليمي والدولي، للغلبة على الآخر، بدلاً من التعاون مع الآخر». وبالتالي، تقول: «لم تعد العملية مسألة نصوص أو صلاحيات، بل عدم كفاءة لتولّي المسؤولية وانعدام ثقافة وروح الوحدة الوطنية، حيث انّ مَن يملكهما وفي أيّ موقع دستوري كان يُمكنه ترتيب الأمور، بطريقة توصِل الى نتائج إيجابية».