IMLebanon

فيما كنتُما تتحاصصان

 

“الضرب بالميت حرام”. لذا لا نسجّل تنديداتٍ إضافية برسالة رئيس الجمهورية في ذكرى الاستقلال. نصحناه بألا يوجهها هذا العام إلا للانتفاض على سياسات اعتمدها على مدى أربع سنوات والاجابة بصراحة عن سؤالين مهمين على الأقل ننتظر كشف الغطاء عنهما: مَن فجّر مرفأ بيروت مدمّراً ثلث العاصمة؟ ومن سرق ودائع المصارف وضرب الاقتصاد وجعل الأكثرية على باب الله؟

 

كان الرئيس مخيّباً للآمال. وعلى طريقة “لا تشكيلي ببكيلك” أطلق رشقاً من المواقف بنبرةٍ عالية ربّما خالها مرعبةً لشركائه، مستعيراً لفظ “المنظومة” كما لو كان خارجها أو غريباً عن أورشليم أو أن الصهر حاكم القصر ودوائره لم يسهم بهدر 40 مليار دولار على الكهرباء، ولا كان أتباعه وتياره حاضرين في البواخر والمحاصصة والمناقصات، أو كأنّه كان غائباً ايام “الهندسات المالية” وأخواتها وما سبقها وتبعها من ارتكابات حاكم مصرف لبنان.

 

لم يتوقّع سواد المواطنين من الرئيس لَبَنَ العصفور ولا دعاه الى القيام بواجبه الأصلي، والأهمّ حلُّ مشكلة السلاح والعودة الى النأي بالنفس واستعادة الدولة وقيام القضاء المستقل. تواضعتْ المطالب الى حدود تَسَوُّل “حكومة مهمة” تنهي صفاقة التحاصص بين الرئاسات الثلاث، والى اتهامِِ ولو لمسؤولٍ أو وزير واحد تسببَ اهمالُه بتفجير النيترات وقتل المئات. لم يحصل هذا ولا ذاك. فبَدل ان يمارس رئيس الجمهورية واجبَ الشجاعة معلناً أسماء المرتكبين على رؤوس الأشهاد، احتمى مرتعداً خلف “الإسراع والتسرع في التحقيق” وهجاء “المعرقلين”، ثم نسَجَ وعوداً بمعاقبة الفاسدين وخوض معارك الاصلاح، وكأنه تحوَّل مراقباً اجنبياً أو عاد خطيباً شعبوياً في “قصر الشعب” أو مرشحاً للنيابة بكسروان.

 

أطرف ما قيل في الرسالة – العراضة الحائزة جائزة “أفضل مونتاج” أنها رائعة لولا أنّ صاحبها في أعلى سلّم المسؤوليات، وأنّه ما كان ينقصها إلا “الهيلاهو” لتصبح برنامجاً متجدداً لثورة 17 تشرين ويمشي على هديها الثوار. ولعلّ أغرب ما فيها مزايدةُ الرئيس على “عرب التطبيع” وتحميلهم مسؤولية “القبول الضمني بضياع القدس والجولان”، وكأنّه لا ينقص لبنان الا توتير إضافي لعلاقاته مع دول الخليج حيث يعمل عشرات الآلاف، أو كأن حليفته طهران على بعد خطوتيْن من تحرير المسجد الاقصى ونظيره في دمشق مندفع الى ما بعد طبريا بعدما استعاد الهضبة والمرتفعات.

 

فَلنُلفِت انتباه الرئيس الى أنّ لبنان ومرفأ بيروت فقدا دورهما، والمنتجات الزراعية الاسرائيلية تباع في أسواق الخليج، فيما فخامته منغمسٌ بالتنازع مع سعد الحريري على الحصص والأسماء. هذا همُّه العودة الى السراي كأنّه بريء من دم الانهيار، وذاك آخر همّه مصالح الناس وكأنّه لا يرى في الكون إلا جبران.