IMLebanon

الشرق الأوسط بين مئوية سايكس- بيكو والمشروع الجديد

مئة عام مرّت على تطبيق اتفاقية سايكس-بيكو التي تمّ إبرامها من قبل إثنين من الدبلوماسيين البريطانيين والفرنسيين: السير مارك سايكس وجورج بيكو، إذ تشاركا في وضع الاتفاقية بموافقة روسيا القيصرية، التي عمدت إلى تقسيم الإمبراطورية العثمانية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.

إنّه التقسيم الذي طال منطقة الشرق الأوسط من قبل الدول اللاعبة عالميًا آنذاك، والتي انتصرت في الحرب العالمية الأولى. إنّها السياسة المرتكزة على رسم الخريطة الدولية بما يتناسب مع مبدأ القوة للدول الفاعلة على الساحة العالمية.

عرفت البشرية عبر تاريخها سلسلة من المحطات التي شكّلت بحدّ ذاتها رسماً جديداً لخريطة العالم السياسية. فعالمنا اليوم يشهد على أكثر من ساحة صراعات القوى الفاعلة التي تعمل على بسط نفوذها من خلال عرض العضلات العسكرية والإقتصادية، في محاولة منها لفرض واقع جديد يتناسب مع مصالحها.

شكّلت الصراعات الدائرة اليوم نموذجاً واضحاً لما بات يُعرف «بعالم متعدّد الأطراف»، وذلك بعد أن أسقطت أسطورة القُطب المهيمن والفارض ذاته.

فالقائد الوحيد لأوركسترا النظام العالمي لم يعد وحيداً في القيادة، الأمر الذي أحدث وسيحدث الكثير من النغمات المتداخلة فيما بينها، والمتمثّلة بتلك النزاعات الممتدة على خريطة العالم من دون استثناء.

لقد صرّح الرئيس جورج بوش الأب أمام الكونغرس عام 1990: «أنّ العالم سيشهد ولادة لنظام عالمي جديد، يرتكز على الفكر البراغماتي، ومُسيطَر عليه من قبل الرأسمالية العالمية».

يتضّح لنا أننا بتنا فعلاً أمام واقع لا مهرب منه، فارض لذاته ألا وهو مشروع الإدارة الأميركية لتقسيم الشرق الأوسط، بعد أن أدركت تلك الإدراة أنّ اتفاقية سايكس-بيكو قد انتهت صلاحيّتها، وبات العالم بحاجة إلى مشروع جديد، وما على الولايات المتحدة إلّا رسمه.

إنّ ربط النظام الجديد بمفهوم العولمة، حيث أسقطت فيه الحدود، وقصّرت المسافات، وتداخلت المصالح لدرجة الوصول إلى حتمية الحروب لحلّ الأزمات.

كما وإنّ الهيمنة الأميركية على القرار العالمي منذ عام 1990، دفعت بوزيرة خارجيتها كوندوليزا رايس في عام 2006 الى إعلان مشروع الشرق الأوسط الجديد. لقد ذكرت في هذا الخصوص: «إنّ ما نراه اليوم هو آلام المخاض لشرق أوسط جديد، ومهما كنّا فاعلين فإنه يتعيّن علينا التأكد من إننا نتجه إلى رسم الخريطة الجديدة».

إنّ تسارع وتيرة الأحداث الدولية، ودخول أكثر من لاعب على الخطّ يضعنا أمام سلسلة من التحليلات قد تكون حاسمة في رسم الخريطة الدولية، ومن أبرزها:

– الدخول الروسي الذي يلعب دوراً مزدوجاً أمام مشروع الشرق الأوسط الجديد. فمن جهة، تحاول روسيا لعب دورها العالمي من خلال تدخلاتها العسكرية المباشرة في أكثر من منطقة. ومن ناحية ثانية، هي في تنسيق تام مع الإدارة الأميركية حول مختلف الموضوعات، وهذا ما يظهر جلياً بين وزيرَي خارجية البلدين كيري ولافروف.

– الدولة الإسلامية المسماة بـ«داعش»، التي عملت فعلياً على إزالة الحدود بين سوريا والعراق، وتعمل على إلغاء معاهدة سايكس-بيكو من خلال إحيائها للدولة الإسلامية التي أُزيلت مع هذه الإتفاقية. ومن جهة أخرى، نرى أنّ الولايات المتحدة تقود الدول العالمية على ضرب «داعش» والحدّ من قدراتها العسكرية والاقتصادية.

– إضعاف روح القومية لدى الشعوب العربية والإسلامية، من خلال زرع روح الفتنة الطائفية والمذهبية، فها هي الساحات العربية تشهد تقاتلاً مذهبياً بين أبناء البلد الواحد. ما يساعد في تكريس مشروع الشرق الأوسط الجديد.

إذاً، مهما يكن فالشرق الأوسط يعيش اليوم مخاضاً أليماً، حيث يبدو أنّ الولادة ستكون عسيرة جداً، خصوصاً وأنّ اللاعبين على الساحة اليوم ليسوا محلّيين ولا إقليميين، بل إنهم عالميّون، والخريطة لم تعد بنودها واضحة في ظلّ تداخل المصالح لهذه القوى.

من المؤكّد أنّ الشرق الأوسط كما رسمته اتفاقية سايكس بيكو يشهد تدميراً ممنهجاً، وأنّ اللاعب الروسي الذي يعمل على الحفاظ على ما تبقى من هذه الإتفاقية إلى الآن يبدو ضعيفاً بسبب الكلفة الإقتصادية الباهظة للحرب.

فسوريا المقسّمة، والعراق الذي لم يجد هويته بعد، وغيرها من مشكلات الدول، تعطي الأفضلية لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد خصوصاً أنه يتلاقى في الكثير من بنوده مع مصالح إسرائيل في المنطقة.