IMLebanon

الشرق الأوسط: من الحروب المصيرية إلى الممرّات المائية الدولية

 

منطقة الشرق الأوسط هي نقطة مفصليّة على خريطة العالم إذ تقع على زاوية القارات الثلاث: الأوروبية والآسيوية والأفريقية، ولقد كانت منذ القدم مركزاً لصراع الشعوب والأديان والحضارات من ثم الامبراطوريات التي سعت لجعل نفوذها يمتد حول البحر المتوسط ولا سيما في منطقة الشرق الأدنى، أي في المنطقة الواقعة شرقي البحر المتوسط والممتدة من مصر إلى خليج الإسكندرون. وفي عودة إلى ما يحدث في دول المنطقة حالياً، يمكن القول إنّ المنطقة تشهد خمسة أنواع من الحروب بشكل متزامن وهو ما لم يحدث في أيّ منطقة أخرى من بقاع العالم:

أولاً: الحرب المصيريّة: وهي الحرب من أجل البقاء وهو ما تواجهه اسرائيل، إذ تشعر أنّ مصيرها مهدد لستة ملايين يهودي بين ثلاثماية مليون عربي مسلم حولها. لذا تحارب وهي تعيش حالةً من الذعر الداخلي وهو ما يفسّر أسلوبها الارهابي في اغتيال أكبر عدد من سكان غزة والضفة لإثارة الخوف في نفوسهم، وجلب الطمأنينة إلى نفسها بما يعني أنّها قادرة على البقاء والاستمرار رغم ما يحيط بها من مصاعب ومخاطر.

ثانياً: الحرب الأصولية: وهي الحرب التي تجد من الضروري والواجب العودة إلى أصول الدين لأنّ معيار الايمان والنجاح هو في العودة إلى الأصول، إلى زمن البداية إلى القرون الوسطى بدل الذهاب نحو أورشليم الجديدة. وتشارك في هذه الحروب مجموعات دينية من مثل: الوهابيّة والجهاديّة و»الإخوان المسلمون»، وتصنّف حركة «حماس» ضمن المجموعات الجهاديّة التي لا تقرّ ولا تعترف بحق دولة اسرائيل في الوجود وكان هجومها على الدولة العبرية في السابع من تشرين الأول 2023 تعبيراً عن هذا الموقف.

ثالثاً: الحرب الوجوديّة: والهدف منها إثبات الوجود على مختلف المستويات الدينية والفكرية والسياسية من خلال الهيمنة الاقليمية وهو ما سعت وتسعى اليه الثورة الإيرانية بتأكيد وجودها داخل الإسلام وداخل اقليم الشرق الأوسط وفي التعاطي مع القضية الفلسطينية ومع اسرائيل عبرها مباشرة وعبر اذرعها داخل دول المنطقة ولا سيما العراق ولبنان وسوريا واليمن.

رابعاً: الحرب الكيانيّة: ونموذجها الأبرز في التجربة اللبنانية، فالقوى اللبنانية الحية والاستقلالية تسعى لتأكيد كيان لبنان التاريخي كتجربة قادرة على العيش والاستمرار في مجرى التاريخ باعتبارها تجربة تمثل حقيقة جغرافية وتاريخية في آن وليست كما يريد البعض أن يصورها وكأنّها خطأ جغرافي وتاريخي. لذا يشهد لبنان صراعاً داخلياً بين الكيانييّن والخارجين على الكيان التابعين لقوى ودول خارجية وهو صراع قائم ومستمر في وجه القوى الاقليمية الساعية للهيمنة على لبنان.

خامساً: الحرب الاستراتيجية: وهو ما تمثّل أخيراً بتهدید ایران وخاصة عبر ذراعها الحوثي في اليمن بفرض رقابة على باب المندب والسفن التي تمخر البحر الأحمر من جهة خليج عمان. ولقد توسّع هذا المنحى بإعلان ايران تهديدها بإغلاق الممرات المائية في البحر المتوسط أيضاً من السويس إلى مضيق جبل طارق مروراً بالبوسفور والدردنيل. هذا الطرح الايراني شكّل نقلة نوعيّة في مسار الحرب الاستراتيجية حول الممرّات المائية وطرح مصير الممرات على بساط البحث من النواحي العلمية والعسكرية والقانونيّة. فما هي العناوين الكبرى لمثل هذا الطرح على صعيد القانون الدولي؟

الممرات المائية: معطيات جغرافية وقانونية

في العودة إلى بعض المراجع الرئيسية حول الممرات المائية الدولية ومنها:

1-Atlas géopolitique des espaces maritimes

2. la Convention des Nations Unies sur le droit de la mer (1982)‏

3. Atlas des 160 lieux stratégiques du monde

يمكن استخلاص بعض النتائج المتصلة بطبيعة هذه الممرات وبوضعها القانوني :

1. مضيق باب المندب:‏ يقع بين البحر الأحمر وخليج عدن ويحده شرقاً اليمن وغرباً إريتريا وجيبوتي عرضه أقل من 12 كيلومتراً وبالتالي مياهه تعود قانوناً إلى الدول المحيطة حيث يمر به 165 مليون طن من النفط. إنّه من أهم النقاط الاستراتيجية في التجارة العالمية.

2. مضيق جبل طارق: يقع بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي طوله 63 کیلومتراً وعرضه 14 كيلومتراً. يشكل منطقة مراقبة استراتيجية منذ القرن الثامن عشر إلى اليوم. إنّه نقطة لقاء بین بحرين وبين عالمين. وفي العام 1980 تم اتفاق بین جبل طارق واسبانيا حول المضيق .

3. في قانون البحار الصادر عن الأمم المتحدة عام 1982 يتناول القسم الثالث موضوع الممرات التي في خدمة الملاحة الدولية. وتؤكد المادتان 44 و45 في هذا القسم أنّ البلدان المجاورة للممرات المائية لا يمكنها أن تمنع مرور الترانزيت للبواخر التجارية ذلك ان هذا المرور لا يمكن وقفه.

… بالأمس القريب وقع حدث أمني ملفت وهو قيام الطيران الاسرائيلي باغتيال السيد رضى موسوي مستشار الحرس الثوري الايراني في عملية في ضواحي دمشق، ما أثار ردّات فعل عنيفة لدى السلطات الايرانية التي هددت بأن اسرائيل ستدفع الثمن في الوقت والمكان المناسبين وبالطريقة الملائمة، وأنّ الرد سيكون صارماً ومؤثراً. وهذه العملية ستؤثر حكماً على ممارسات «حزب الله» في الجنوب. لكن الحقيقة هي أنّ الولايات المتحدة تمنع حتى الآن وقوع حرب بين اسرائيل وايران لأنها ستؤدي إلى اندلاع حرب ربما تكون نووية. وأمیرکا لا تريد ذلك، لأنه سيؤدي إلى تهديد السلام في العالم !